مأوى المتقين
أخي الحبيب .أختي الحبيبة :السلام عليكم ورحمة الله .
كم يسعدنا أن تنضم لأسرة هذا المنتدى بالتسجيل إن كنت غير مسجل .
ألف تحية وشكر

مأوى المتقين
أخي الحبيب .أختي الحبيبة :السلام عليكم ورحمة الله .
كم يسعدنا أن تنضم لأسرة هذا المنتدى بالتسجيل إن كنت غير مسجل .
ألف تحية وشكر

مأوى المتقين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى إسلامي يهتم بالقضايا العامة .
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نماذج تطبيقية في بيان الأدوات المنهجية لتنزيل الحديث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
تقي الدين
Admin
تقي الدين


عدد المساهمات : 1362
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/04/2009
العمر : 62
الموقع : alger

نماذج تطبيقية في بيان الأدوات المنهجية لتنزيل الحديث Empty
مُساهمةموضوع: نماذج تطبيقية في بيان الأدوات المنهجية لتنزيل الحديث   نماذج تطبيقية في بيان الأدوات المنهجية لتنزيل الحديث Icon_minitimeالجمعة أكتوبر 15, 2010 6:32 am

نماذج تطبيقية في بيان الأدوات المنهجية لتنزيل الحديث

بقلم الأستاذ: زوهير بن أحمنه عبد السلام*
إن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان في كل ما قاله، أو فعل ،أو أقر عليه أحدا من صحابته يتصرف وفق مقتضيات عصره وبيئته، فكان يستعمل جميع كل ما يتاح له من وسائل مادية أو معنوية لتحقيق أهداف ومقاصد شاملة على جميع المستويات: الروحية، والمعرفية، والسلوكية والعمرانية الإنجازية، فكان فعله(1) النبوي الشريف مكونا في الجملة من وسائل ومقاصد.

ولا بد من إدراك هذا الأمر حتى يمكن فهم الفعل النبوي على حقيقته، من خلال التمييز بين الوسائل والمقاصد، فالوسائل يمكن أن تتغير، أما المقاصد فلا يمكن إلا أن تبقى ثابتة، وقد كان عدم التمييز بين الوسائل والمقاصد في الفعل النبوي سببا دفع في الكثير من الحالات إلى الوقوع في أخطاء قادحة في فهم السنة، وقد لاحظ الشيخ القرضاوي هذا فقال: "ومن أسباب الخلط والزلل في فهم السنة: أن بعض الناس خلطوا بين المقاصد والأهداف الثابتة التي تسعى السنة إلى تحقيقها، وبين الوسائل الآنية والبيئية التي تعينها أحيانا للوصول إلى الهدف المنشود، فتراهم يركزون كل التركيز عل هذه الوسائل، كأنها مقصودة لذاتها، مع أن الذي يتعمق في فهم السنة وأسرارها، يتبين له أن المهم هو الهدف، وهو الثابت والدائم، والوسائل قد تتغير بتغير البيئة أو العصر أو العرف أو غير ذلك من المؤثرات"(2).

ففي الجملة أن المطلوب هو النظر إلى المقاصد التي يتغيَّاها النص النبوي، ذلك أن الوسائل قد تتغير من عصر إلى عصر، ومن بيئة إلى أخرى بل هي لابد متغيرة، فإذا نصَّ الحديث على شيء منها، فإنما ذلك لبيان الواقع، لا ليُقَيدَنا بها، ويجمدنا عندها(3)؛ ولبيان ما سبق أذكر مثالين توضيحيين:

أولا: نماذج تطبيقية في بيان مقاصد الحديث

المثال الأول: ما رواه مسلم من حديث عائشة وأنس، قالا: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «أنتم أعلم بأمر دنياكم»(4).

إن محاولة فهم هذا الحديث بعيدا عن السبب يؤدي إلى مزالق جد خطيرة، فهل النبي-صلى الله عليه وسلم-يدفع شؤون الدنيا للناس هكذا يفعلون فيها ما يشاءون، يقول القرضاوي، مثل هذا الحديث، "يتخذ منه بعض الناس تكأة للتهرب من أحكام الشريعة في المجالات الاقتصادية، والمدنية والسياسية ونحوها؛ لأنها- كما زعموا- من شؤون دنيانا، ونحن أعلم بها وقد وكلها الرسول-صلى الله عليه وسلم- إلينا!!"(5). فهل هذا هو مقصد الحديث؟ لا يمكن أن نجيب بالإيجاب ولا بالسلب إلا إذا اطَّلعنا على السبب الذي لأجله قاله النبي-صلى الله عليه وسلم-؛ أي جملة السياقات والملابسات والظروف والحالة التي قال فيها النبي الكريم هذا الحديث.

فالحديث إذن يفسره سبب وروده وهو الكاشف عن سر ومقصد الحديث، وهو قصة تأبير النخل "وإشارته-صلى الله عليه وسلم-عليهم برأي ظني يتعلق بالتأبير وهو ليس من أهل الزراعة، وقد نشأ بواد غير ذي زرع فظنه الأنصار وحيا أو أمرا دينيا، فتركوا التأبير، فكان تأثيره سيئاً على الثمرة، فقال: إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن.."(6).

والسبب ما أخرجه مسلم من حديث موسى بن طلحة عن أبيه، قال: مررت مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بقوم على رؤوس النخل فقال: «ما يصنع هؤلاء؟»، فقالوا يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فتلقح! فقال رسول الله: «ما أظن ذلك يغني شيئاً»!، قال :فأُخبروا بذلك فتركوه،فأخبر رسول الله بذلك فقال: «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا فإني لن أكذب على الله عز وجل»(7)، فهذا السبب يبين لنا جملة أشياء هي قرائن وملابسات تُفيد في فهم الحديث، وهي:

أ. أن النبي-صلى الله عليه وسلم-م ينه الصحابة عن تأبير النخل وإنما الظن وقع منهم، يقول ابن تيميه: "لم ينههم عن التلقيح لكن هم غلطوا في ظنهم أنه نهاهم،كما غلط من غلظ في ظنه أن (الخيط الأبيض) و(الخيط الأسود) هو الحبل الأبيض والأسود"(8).

ب. اجتهاد النبي-صلى الله عليه وسلم-في الأمور الدنيوية، يقول الشوكاني: "وأجمعوا على أنه يجوز لهم الاجتهاد [يعني الأنبياء والرسل] فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب ونحوها...، وذلك وقع من نبينا-صلى الله عليه وسلم-من إرادته بأن يصالح غطفان على ثمار المدينة وكذلك ما كان قد عزم عليه من ترك تلقيح ثمار المدينة"(9).

ج. السبب يبين أيضا أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان يفهم الصحابة أن ثمة أشياء خاضعة لسنن الله، و أن التجربة في مثل هذه الشؤون مطلوبة، والخبرة هي المحك الحقيقي في الحِرَفِ والصناعات، والزراعة.

فالمقصود إذن من قوله-صلى الله عليه وسلم- «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، هو التوجيه إلى تفعيل أداءات الصحابة وتنمية خبراتهم الحياتية، وأنَّ لهم مجالا واسعا في الاجتهاد والاختبار في إطار القواعد العامة المنظمة لشؤون حياتهم، أمَّا ما تعلق بشؤون عالم الغيب بعيدا عن عالم الشهادة فلا دخل فيه للعقل البتة، إلا من حيث هو مستعمل فيه للفهم والاستنباط.

فليس الأمر كما يظن الناس أن النبي-صلى الله عليه وسلم-فصل بين ما هو دنيوي وما هو ديني، إذ كيف يقع ذلك منه؟، وهو الذي يتلو مرات في النهار والليل قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(10).

فلولا السبب والسياق والقرائن التي بيَّنَت لنا الواقعة التي قال من أجلها النبي-صلى الله عليه وسلم-هذا الحديث لطاشت أفهامنا، ولما فهمنا مقصود هذا الحديث.

ومثاله أيضا: ما أخرجه البخاري وأحمد والنسائي من حديث أبي بكرة، واللفظ لأحمد قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «لن يفلح قوم تملكهم امرأة»(11).

إن محاولة فهم مقصود النبي-صلى الله عليه وسلم-من هذا الحديث جدُّ صعب، وذلك إذا لم تسعفنا الأسباب والسياقات التي لأجلها قال: النبي-صلى الله عليه وسلم-هذا الحديث. وما المقصود منه، غير الشيء الذي يدل عليه ظاهر الحديث؟.إن التمسك بظاهر الحديث يمنع المرأة من تولي مهام ما دلَّ الشرع على منعها عنها، ومنه أن تكون في مجلس شورى المسلمين، يقول الخالدي: "إنه لما كان مجلس الشورى وكيلا عن الناس في الرأي،والمرأة يجوز لها شرعا أن تعطي رأيها للخليفة، لذلك يجوز للمرأة أن تكون عضوا في مجلس الشورى والدليل على ذلك ما يلي:….لم يرد في الشرع أي دليل على تحريم انتخاب المرأة عضوا في مجلس الشورى،…ومجلس الشورى ليس من قبيل الحكم"(12) الذي ورد النص فيه بالنهي عن تولي المرأة الخلافة والحكم.

واستدل أيضا بما وقع في بيعة العقبة الثانية في (السنة 13 للبعثة)، والتي هاجر فيها النبي-صلى الله عليه وسلم-فقدم عليه خمسة وسبعون مسلما من المدينة منهم: امرأتان وثلاثة وسبعون رجلا، بايعوه فيها بيعة قتال، وبيعة سياسة، وبعد البيعة قال لهم: «أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم لما فيهم»(13)، وهو أمر عام لا مخصص فيه، ولا استثناء، لا فيمن يَنتخِب ولا فيمن يُنتخَب(14)، والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يرد دليل التقييد، كما أن العام يجري على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص، وهنا جاء الكلام عاما ومطلقا و لم يرد دليل التخصيص والتقييد، يقول الخالدي: "فيدل على أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-أمر امرأتين أن تنتجا النقباء، وجعل للمرأتين حق انتخابهما من المسلمين نقيبتين"(15)، وبادٍ أنّ كلام الخالدي جدّ صائب، بيد أنه لو استعمل السياق للكشف عن مقصد الحديث لما احتاج إلى شواهد أخرى تدعم رجحان اجتهاده على غيره.

ومقصد الحديث يكشف عنه ما جاء عند البخاري والترمذي، واللفظ له من حديث أبي بكرة، قال: "عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لمّا ملك كسرى، قال من استخلفوا، قالوا ابنته فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-«لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، قال فلمّا قدمت عائشة تعني البصرة ذكرت قول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فعصمني الله به"(16).

وهذا السياق أيضا يحتاج إلى بيان حال هذه البنت التي وليت أو أمّرت أو استخلفت في مكان والدها؟ يقول الشيخ محمد الغزالي: "ونحب أن نلقي نظرة أعمق على الحديث الوارد، ولسنا من عشاق جعل النساء رئيسات للدول أو رئيسات للحكومات… عندما كانت فارس تتهاوى تحت مطارق الفتح الإسلامي كانت تحكمها ملكية مستبدة مشؤومة؛ الدين وثني! والأسرة المالكة لا تعرف شورى، ولا تحترم رأيا مخالفا، والعلاقات بين أفرادها بالغة السوء، وقد يقتل الرجل أباه أو اخوته في سبيل مآربه... وكان في الإمكان، وقد انهزمت الجيوش الفارسية [أمام جيوش روما الذين أحرزوا نصرا مبينا بعد هزيمة كبرى](17) وأخذت مساحة الدولة تتقلص إلى أن يتولى الأمر قائد عسكري يوقف سيل الهزائم، لكن الوثنية السياسية جعلت الأمة والدولة ميراثا لفتاة لا تدري شيئا، فكان ذلك إيذانا بأن الدولة كلها إلى ذهاب؛ في التعليق على هذا كله قال النبي الحكيم-صلى الله عليه وسلم-كلمته الصادقة، فكانت وصفا للأوضاع كلها..."(18).

هذا وقد فصّل ابن حجر قصة هذه الحادثة في شرحه للحديث، فجاء في معرض حديثه أن الذي تولّى الملك بعد الملك الميت ابنه الذي قتل كل اخوته لكي يستأثر بالملك، فلما تولّى الملك لم يمكث فيه سوى ستة أشهر ثم مات، فلم يجدوا من يولوه أمرهم، ولم يريدوا أن يخرج الأمر من سلالتهم، جعلوا تلك البنت التي لا تحسن تصريف أمور الدولة الفارسية العظيمة يومئذ حاكمة عليهم(19)؛ وفي هذا الجو العام كما قال الغزالي، كانت أمور فارس تتهاوى على مطارق الروم، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-هذا الحديث؛ فالسياق هو الذي بيّن لنا مقصود النبي-صلى الله عليه وسلم-من قوله ذاك، وهو أن يُوَلَّى من هو أكفأ في المهمات الكبرى، باستثناء الخلافة أو الحكم أو الملك. ولكن لا بد من ملاحظة أن الحديث، وإن جاء في شأن ولاية بنت كسرى ملكا إلا أنه، يحرّم على المرأة تولي الحكم والخلافة لأن التعبير بـ «لن» في الحديث يفيد التأبيد، وهو مبالغة في نفي الفلاح عمن يوليها، وهو قرينة عن النهي الجازم، فيكون النهي قد جاء مقرونا بقرينة تدل على طلب الترك طلبا جازما، فكانت تولية المرأة حراما(20)؛ ذلك أن "جميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة"(21)... وعليه لا يجوز للمرأة أن تتولى السلطان الأعظم.

فجملة الملابسات والسياقات والأحوال التي احتفّت بقول النبي-صلى الله عليه وسلم-هي التي بيّنت مقصود نفي الفلاح في الحديث، ولا مناقضة بين قولي: أن يتولى من هو أكفأ في المهمات الكبرى، وبين هذا الاستثناء الذي استنبطه الفقهاء.

إن النماذج التي يمكن أن أمثل بها في بيان مقصود الحديث،كثيرة ومنها خاصة ما تعلّق بالآداب والأخلاق من ملبس ومسكن ومأكل، وجملة العادات والأعراف أو الوسائل، وكذا ما تعلّق بالطب والعلوم التجريبية...

ثانيا: نماذج تطبيقية في بيان مآلات الحديث

إن هذا الأصل في الدين من أعظم الأصول، ولعل كثيرا من الأخطاء التي تجلب المضار للدين، هو واقع من جراء التنزيل الآلي للنصوص على الوقائع، ومردها كذلك إلى الجري وراء تنزيلها بعيدا عن النظر في ما تؤول إليه الأمور، ولمعرفة السياقات والأسباب مدخل عظيم في الكشف عن أهمية المآلات في القول و الفعل و الجهد النبوي، وهذه جملة أمثلة على ذلك:

المثال الأول نأخذه من موقفه-صلى الله عليه وسلم-من اقتراح بعض الصحابة-رضي الله عنهم-قتل المنافقين، حيث كانوا يشيرون عليه بقتل من ظهر نفاقه من المنافقين، وتخليص المجتمع من فتنهم ومؤامراتهم، فكان جوابه دائما: «دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه»(22). فلم يستجب-صلى الله عليه وسلم-لإلحاح الصحابة وهو العالم بواقعه وما يترتب على ذلك الفعل من نتائج، رغم أن "موجب القتل حاصل وهو: الكفر بعد النطق بالشهادتين والسعي في إفساد حال المسلمين، بل كانوا أضر على الإسلام من المشركين، فقتلهم درء المفسدة حياتهم ولكن المآل الآخر وهو هذه التهمة التي تبعد الطمأنينة عن مريدي الإسلام أشدُّ ضررا على الإسلام من بقائهم"(23).

ونأخذ المثال الثاني من تخليه-صلى الله عليه وسلم-عن إعادة بناء البيت الحرام حتى لا يثير بلبلة بين الناس، فقد كان كثير منهم حديثي العهد بالإسلام.

فعن عائشة -رضى الله عنها- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: «ألم تري أن قومك بنوا الكعبة واقتصروا عن قواعد إبراهيم، فقلت: يا رسول لله ألا تردها على قواعد إبراهيم ؟قال: لو لا حدثان قومك بالكفر لفعلت»(24) فلم يُعِدْ النبي-صلى الله عليه وسلم-بناء البيت على قواعد إبراهيم حتى لا يؤدي ذلك إلى اعتقاد العرب أن النبي-صلى الله عليه وسلم-يهدم المقدسات ويغير معالمها. فتكون لهم فتنة، فهو-صلى الله عليه وسلم-يدرك مستوى وعي الناس ودرجة استعدادهم لقبول الحق أو الإعراض عنه ومناوأته ومدى استساغتهم للأفكار المقترحة عليهم، ففي هذه الواقعة عَدَلَ النبي عن اختياره مخافة ألاّ يفهم بعض الناس هذا السلوك فيكون لهم فتنة، قال النووي: "في هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام،و منها: تأليف قلوب الرعية وحسن حياطتهم وإن لا ينفروا، ولا يعترض لما يخاف تنفيرهم بسببه، ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي"(25).

وروى الإمام البخاري نفس الحديث بصيغة أخرى في كتاب:العلم، باب: من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهمُ بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه(26)، وبمقتضى هذا أفتى مالك الأمير حين أراد أن يرد البيت على قواعد إبراهيم فأشار له بأنه لا يفعل لئلا يتلاعب الناس ببيت الله(27).

وقال ابن حجر تعليقا على هذا الحديث: "ويستفاد منه، ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه إنكار ترك المنكر خشية الوقوع في أنكر منه، وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم، وإن كان مفضولا، ما لم يكن محرما(28)، فلو أن السيدة عائشة لم تبين السبب الذي لأجله امتنع النبي-صلى الله عليه وسلم-عن إعادة بناء الكعبة على الأصول الأولى، لبقي الأمر من غير وضوح، ولما تبين هدف النبي-صلى الله عليه وسلم-من ترك مثل هذا الأمر الجليل، ولكن السبب بين جملة أشياء منها:

1. أن التحديث بهذا الأمر كان في بدأ الرسالة و الدعوة، وأن النبي-صلى الله عليه وسلم-لم يعد إلى ذلك بعد التمكين له في الأرض، وحتى بعد تجذر الإيمان في قلوب الناس.

2. أن الظرف لم يسمح بذلك، فاعتبار ما سوف يجره مثل هذا الأمر الصالح و الجيد في ذاته من فتنة وتفرقة في الصف، مرجوح بما سيجلبه أمر العفو عن هذا التغيير من مصالح و فوائد.

3. أن النبي-صلى الله عليه وسلم-اعتبر حال الزمان و أهله؛ لأنه ليس كل ما يعلم مما هو مطلوب شرعا يطلب نشره، وباب المصلحة في أصول الفقه مبني كله على هذا الأصل.

وفي خاتمة هذه الحلقات أجد انه من الضروري إجمال أهم النتائج المتعلقة بمفهوم تنزيل الحديث وتطبيقاته العملية وذلك على النحو التالي:

1. تنزيل الحديث: "هو أنْ يفقه الحديث، ويبْقَى النَظرُ في إيقَاعه على وفق المحال وبالنسَبة إلى كلِّ نازِلة، لجلب مصلحة أو لدفع ضَررٍ".

2. تعتبر المراحل التي عرضت لها من الأهمية بمكان؛ إذ لا غنى لمنزل الحديث من مراعاتها والإحاطة بها، وهي:

أ. معرفة واقع التنزيل.
ب. معرفة حال المنزل عليهم.

3.لا بد من الإحاطة الجيدة بالأدوات المنهجية التالية لتنزيل الحديث:

أ.معرفة مقاصد الحديث.
ب.معرفة مآلات الحديث.

4.إن التباين في التمكن من الأدوات المنهجية لتنزيل الحديث، هو مرجع الاختلاف في فهم السنة عموما وتنزيلها على المحال المتنوعة بأشكال متباينة تماما خصوصا.

5.إن للمعرفة بالقرائن المحتفة بالحديث وسياقاته الزمانية والمكانية دورا أساسيا في تنزيل الحديث، بالكشف عن مقاصده.

6.إن للمعرفة بالقرائن المحتفة بالحديث وسياقاته الزمانية والمكانية أثرا بالغا في الكشف عن منهج النبي-صلى الله عليه وسلم-، في اعتبار المآلات، ومراعاة أحوال الزمان وأهله.

الهوامش
* أستاذ محاضر بجامعة محمد بوضياف / الجزائر - مسيلة
(1) لا أقصد هنا بالفعل النبوي الحديث المعروف، بل التجربة العملية في ذلك العصر وتلك الملابسات.
(2) القرضاوي، كيف نتعامل مع السنة ضوابط ومعالم،ص: 139.
(3) القرضاوي، نفس المرجع ، ص: 140.
(4) مسلم، الصحيح، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكر-صلى الله عليه وسلم-من معايش الدنيا على سبيل الرأي، حديث:6081، ( المنهاج: 15/115).
(5) القرضاوي، كيف نتعامل مع السنة، ص: 126.
(6) القرضاوي، كيف نتعامل مع السنة،ص: 127.
(7) مسلم، الصحيح، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ذكره-صلى الله عليه وسلم-من معايش الدنيا على سبيل الرأي، حديث:6079، ( المنهاج:15/115).
(8) ابن تيميه، مجموع الفتاوى، 1/12.
(9) الشوكاني، إرشاد الفحول، ص:255.
(10) سورة الأنعام:102.
(11) البخاري، الصحيح، كتاب ألغازي، باب كتاب النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، حديث:4425، ( الفتح:8/126)، وَأحمد، المسند،5/51.وَالنسائي، السنن الكبرى، كتاب القضاة، باب النهي عن استعمال النساء في الحكم،8/227.
(12) الخالدي، قواعد نظام الحكم في الإسلام، ص: 185-186.
(13) ابن هشام، السيرة النبوية، 2/85.
(14) الخالدي، قواعد نظام الحكم، ص:186.
(15) الخالدي، نفس المرجع، ص:186.
(16) البخاري، الصحيح، كتاب ألغازي، باب: كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، حديث:442، (الفتح:8/126)،الترمذي، السنن، كتاب الفتن، باب رقم:75، حديث:2262، 4/457.
(17) السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، للغزالي، ص:56.
(18) الغزالي، السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، ص:48 ، 49.
(19) ابن حجر، فتح الباري، (8/127،128).
(20) الخالدي، قواعد نظام الحكم، ص:296.
(21) ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، 4/179.
(22) البخاري، الصحيح، كتاب: التفسير ،باب:"سواء استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم"، (الفتح:8/ 334).
(23) الشاطبي، الموافقات، 4/197.
(24) البخاري،الصحيح،كتاب: الحج،باب: فضل الكعبة وبنيانها ،(الفتح:4/440).
(25) النووي، المنهاج، 9/94.
(26) البخاري، الصحيح، ( الفتح:1/224).
(27) الشاطبي، الموافقات، 4/112.
(28) ابن حجر ، الفتح، 1/181.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mawa-almottakin.ahlamontada.com
 
نماذج تطبيقية في بيان الأدوات المنهجية لتنزيل الحديث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مدونة علوم الحديث 01
» بيان حول التدخل الاستعماري في ليبيا??
» نص بيان علماء السعودية حول "منتدى خديجة"??
» الحديث القدسي
» نصائح في كيفية الحديث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مأوى المتقين  :: ونعم دار المتقين :: إسلاميات :: المنتدى الإسلامي العام :: الحديث الشريف وعلومه :: علوم الحديث الشريف-
انتقل الى: