عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال فلا تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلني قال قاتله قال أرأيت إن قتلني قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو في النار " رواه مسلم .
صحيح مسلم بشرح النووي
فِيهِ ( أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت إِنْ جَاءَ رَجُل يُرِيد أَخْذ مَالِي ؟ قَالَ : فَلَا تُعْطِهِ مَالَك . قَالَ : أَرَأَيْت إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : قَاتِلْهُ . قَالَ : أَرَأَيْت إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : فَأَنْتَ شَهِيد . قَالَ : أَرَأَيْت إِنْ قَتَلْته ؟ قَالَ : هُوَ فِي النَّار )
أَمَّا أَلْفَاظ الْبَاب فَالشَّهِيد قَالَ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَيّ لِأَنَّ أَرْوَاحهمْ شَهِدَتْ دَار السَّلَام وَأَرْوَاح غَيْرهمْ لَا تَشْهَدهَا إِلَّا يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى وَمَلَائِكَته عَلَيْهِمْ السَّلَام يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ . فَمَعْنَى شَهِيد مَشْهُود لَهُ . وَقِيلَ : سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ يَشْهَد عِنْد خُرُوج رُوحه مَا لَهُ مِنْ الثَّوَاب وَالْكَرَامَة وَقِيلَ : لِأَنَّ مَلَائِكَة الرَّحْمَة يَشْهَدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ رُوحه وَقِيلَ : لِأَنَّهُ شُهِدَ لَهُ الْإِيمَان وَخَاتِمَة الْخَيْر بِظَاهِرِ حَاله . وَقِيلَ لِأَنَّ عَلَيْهِ شَاهِدًا يَشْهَد بِكَوْنِهِ شَهِيدًا وَهُوَ دَمه فَإِنَّهُ يُبْعَث وَجُرْحه يَثْعَب دَمًا . وَحَكَى الْأَزْهَرِيّ وَغَيْره قَوْلًا آخَر أَنَّهُ سُمِّيَ شَهِيدًا لِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَشْهَد يَوْم الْقِيَامَة عَلَى الْأُمَم , وَعَلَى هَذَا الْقَوْل لَا اِخْتِصَاص لَهُ بِهَذَا السَّبَب . وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّهِيد ثَلَاثَة أَقْسَام أَحَدهَا الْمَقْتُول فِي حَرْب بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَاب الْقِتَال فَهَذَا لَهُ حُكْم الشُّهَدَاء فِي ثَوَاب الْآخِرَة وَفِي أَحْكَام الدُّنْيَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُغَسَّل وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ . وَالثَّانِي شَهِيد فِي الثَّوَاب دُون أَحْكَام الدُّنْيَا وَهُوَ الْمَبْطُون , وَالْمَطْعُون , وَصَاحِب الْهَدْم , وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ , وَغَيْرهمْ مِمَّنْ جَاءَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِتَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا فَهَذَا يُغَسَّل وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَهُ فِي الْآخِرَة ثَوَاب الشُّهَدَاء , وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُون مِثْل ثَوَاب الْأَوَّل . وَالثَّالِث مَنْ غَلَّ فِي الْغَنِيمَة وَشِبْهُه مَنْ وَرَدَتْ الْآثَار بِنَفْيِ تَسْمِيَته شَهِيدًا إِذَا قُتِلَ فِي حَرْب الْكُفَّار فَهَذَا لَهُ حُكْم الشُّهَدَاء فِي الدُّنْيَا فَلَا يُغَسَّل , وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ , وَلَيْسَ لَهُ ثَوَابهمْ الْكَامِل فِي الْآخِرَة . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَأَمَّا أَحْكَام الْبَاب فَفِيهِ جَوَاز قَتْل الْقَاصِد لِأَخْذِ الْمَال بِغَيْرِ حَقّ سَوَاء كَانَ الْمَال قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لِعُمُومِ الْحَدِيث . وَهَذَا قَوْلٌ لِجَمَاهِير الْعُلَمَاء . وَقَالَ بَعْض أَصْحَاب مَالِك لَا يَجُوز قَتْله إِذَا طَلَبَ شَيْئًا يَسِيرًا كَالثَّوْبِ وَالطَّعَام وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَالصَّوَاب مَا قَالَهُ الْجَمَاهِير . وَأَمَّا الْمُدَافَعَة عَنْ الْحَرِيم فَوَاجِبَة بِلَا خِلَاف . وَفِي الْمُدَافَعَة عَنْ النَّفْس بِالْقَتْلِ خِلَاف فِي مَذْهَبنَا وَمَذْهَب غَيْرنَا وَالْمُدَافَعَة عَنْ الْمَال جَائِزَة غَيْر وَاجِبَة وَاَللَّه أَعْلَم .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلَا تُعْطِهِ ) فَمَعْنَاهُ لَا يَلْزَمك أَنْ تُعْطِيَهُ وَلَيْسَ الْمُرَاد تَحْرِيم الْإِعْطَاء وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّائِل إِذَا قُتِلَ : هُوَ فِي النَّار فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقّ ذَلِكَ . وَقَدْ يُجَازَى وَقَدْ يُعْفَى عَنْهُ إِلَّا أَنْ يَكُون مُسْتَحِلًّا لِذَلِكَ بِغَيْرِ تَأْوِيل فَإِنَّهُ يَكْفُر , وَلَا يُعْفَى عَنْهُ . وَاَللَّه أَعْلَم .