أرض الفرص .. بلا ضمانات!
جون تفلين
ترجمة/ الإسلام اليوم
في الصفّ الخلفي للقاعة التاسعة داخل المحكمة الجزئيَّة الأمريكيَّة, جلست سيدة ترتدي الحجاب وهي تعتصر جبينها بيدها كما لو كانت تقاوم آلام الظهر, ولكنها انحنت للأمام ثم أخذت نفسًا عميقًا عندما استدعى القاضي رجلًا هزيلًا يرتدي بنطلونًا من الجينز وتي شيرت أبيض إلى المنصة.
كان هذا الشاب أحد أربعة رجال صوماليين, متهمين بالمشاركة في تجارة البغاء على الصعيد الوطني وإدارة عصابة نصب واحتيال, مثلوا في نوفمبر الماضي أمام قاضٍ اتحاديّ لمعرفة ما إذا كان سيتمُّ احتجازهم في السجن بانتظار المحاكمة, وقد اتُّهم الشبان بالانضمام لمافيا وعصابات صوماليَّة خارجة على القانون, وإدارة شبكة للاتجار بالبشر والبغاء، وإجبار الفتيات الصوماليَّات, إحداهن لا يتجاوز عمرها 12 عامًا, على ممارسة البغاء.
عندما نهض الشاب للمثول أمام القاضي, رفعت المرأة رأسها وأمسكت الجزء الخلفي من المقعد أمامها بيدها, وكما جرت العادة بين عصابات المهاجرين الأمريكيين بأن يحصل كل فردٍ فيها على اسم مستعار, فقد حاز المتهمون على أسماء مستعارة, ومنها فورهيد, هومر, فات بوي.
بدأ ديفيد ستينكامب, مساعد المدعي العام الأمريكي, يذكر "السجل الإجرامي واسع النطاق" لفتح حاجي حاشي, الملقب "جونيور", والذي ضمَّ تحريضًا على السرقة وحيازة الماريجوانا, وعدم المثول للمحاكمة.
قدِمَت عائلة هذا الـ (جونيور) إلى الولايات من أجل الحلم الأمريكي, ولكن حاشي (23 عامًا), والذي كان يعيش مع والدته وعاطلًا عن العمل, كان يواجه كابوس حياته منذ ولادته، فهو الآن متوجِّه إلى السجن.
وقف حاشي أمام المنصة، حيث قال القاضي: "بموجب القانون سوف يتمُّ إعادتك إلى الحجز لحين نقلك إلى ولاية تينيسي لمواجهة الاتّهامات", وفي حسرةٍ وضعت السيدة في المقعد الخلفي رأسها بين يديها.
ستة طوابق أعلى نفس المبنى, وتحديدًا في القاعة 15, كان أطفال يلعبون بالدمى في الرواق, وفي الداخل كان هناك حوالي 70 مهاجرًا قادمون من أفغانستان وحتى بنما, وحوالي مائتين من ذويهم, وهم يستمعون إلى موسيقى جون فيليب سوزا, في انتظار مراسم الحصول على الجنسيَّة الأمريكيَّة, كان بعضهم يمسك بباقات من الزهور والبالونات مكتوب عليها: "تهانينا", وأخذ آخرون في تفحص القاعة بكاميرات الفيديو والتقاط لقطات فوتوغرافيَّة لواحدة من اللحظات الأكثر أهميَّة في حياتهم.
في هذه اللحظة دخل القاضي مايكل ديفيس إلى القاعة وهو يقول بصوتٍ جهير: "صباح الخير, سوف أشرف اليوم على هذه المراسم الجميلة والرائعة بنفسي", مستطردًا: "لقد جاء العديد منكم من عدة بلدان لا يُسمح لكم فيها بالتصويت, أو حتى معرفة كيف تصوِّتون, أما هنا فمن المتوقع أن تقوموا بالتصويت بل وربما يحدث هذا التصويت فارقًا في إعادة انتخاب الحاكم".
ثم بدأ الجميع يرفع يده ويردِّد: "أقسم أنني سأدعم وأدافع عن دستور الولايات المتحدة الأمريكيَّة رسميًّا...", ثم أخذ الأمريكيون الجدد يرددون في انسجام تام: "لقد تخلَّيْت وتنازلت عن أي ولاء لأي ملك أو ملكة", مضيفين: "أعلن اليوم أني صرت مواطنًا للولايات المتحدة الأمريكيَّة بالفعل, لذا فليكن الله في عوني".
كان هناك تصفيق حار, وأخذت الكاميرات في التقاط الصور كما عانق الناس من أقاصي العالم بعضهم، أما القاضي ديفيس فسأل: "من منكم من البرازيل؟" فرفعت سيدة يدها, فحرَّك ديفيس كتفيه، قائلًا: "أحب رقصة السامبا!" واستطرد: "ربما لا تشتركون مع بعضكم في الكثير من الأشياء, فيما عدا شيئًا واحدًا, أنكم جميعًا مواطنون أمريكيُّون", ثم أخبرهم أنها فرصة عظيمة, لكنها أيضا تحمل مسئوليَّة كبيرة.
وأردف "ديفيس": "في مقابل العطايا الوفيرة التي تقدِّمها هذه البلاد لنا, ينبغي أن تصبحوا مواطنين فاعلين ومندمجين في المجتمع, كما يلعب المواطنون المجنّسون دورًا هامًّا في مجتمعنا, لأنه ليس مجتمعًا مثاليًّا, وما زلنا نسعى لتقدُّمِه بالعمل", ثم بدأ يغني أغنية لي جرينوود: "أفخر أن أكون أمريكيًّا, من بحيرات ولاية مينيسوتا إلى تلال تينيسي".
وخارج القاعة 15 المحكمة, حيث كان البسكويت وعصير الليمون, تدفق الأمريكان الجدُد, وعيون بعضهم تذرف الدموع.
ارتدى جون فلومو بذلة جديدة تناسب هذه المناسبة, وكان قد درس الدستور وتاريخ الولايات المتحدة للوصول إلى هنا, واليوم هو مكافأة بالنسبة له، فلومو, طالب الدكتوراة في جامعة مينيسوتا, من ليبيريا, الذي بدت البهجة والسعادة على زوجته الأمريكيَّة وابنتهما، قال: "لقد كان هذا الحفل لطيفًا وممتعًا وفاق جميع توقُّعاتي".
"أنا أحب الولايات المتحدة".. قالها فلومو، وقد بدت على وجهه ابتسامة عريضة.
إنها أرض الفرص التي لا نهاية لها, إلا أنها دون ضمانات على الإطلاق![b]