كل شيء في معركة الفرقان يؤثر فيك، ويَجعلك تقف احترامًا لكل أهلها.
ولكن أطفالها يَجعلونك تشعر كم أنت صغير، وكم أنت تحتاج إلى أن تتعلَّم وتغيِّر من نفسك!
في ذاكرتي قصص مُشرِّفة لأطفال غزة في معركة الفرقان، كم نحتاج أن نتعظ بها!
أذكر ذلك الطفل الذي فُقِئت عيناه وهو يَحكي قِصَّته مع الحرب، وبعد ما انتهى قال للمراسل: وشكرًا لكم، كانت هذه الكلمة مُؤثرة في نهاية حديثه، وكأنَّه يقول: هذا ما عملته قدَّمتُ عينيَّ لأجل الله، ثم الوطن، والآن حان دَوْركم، ما الذي ستُقدِّمونه؟
أما تلك الفتاة التي فقدت عائلتَها كلها، كانت تبكي وتقول: ما ذنبي أنا؟! ما الذي عملته لهم؟! هي تتكلم باسم الطُّفولة البريئة في فلسطين، هي رمزُ الألم الفلسطيني، ورمز الطُّفولة المحرومة، ولكن هل ضعفت رَغْمَ الألم؟
على العكس، فلما عَرَضَ عليها أحد الرجال العرب في أحد البرامج أن يتبنَّاها، وتكون أختًا لأبنائه ويُخرجها من فلسطين، شكرته، ولكن رفضت العرض، وقالت: لا يُمكن أن أترك بلد أهلي ووطني.
أمَّا "ألماظة" هذه المراسلة الصَّغيرة، التي كانت تعبِّر عن استشهادِ ثلاثين من عائلتها - أبلغ من أعظم مُراسل، وتصف المشهد وكأنَّها تعيشه كلَّ لحظة، كانت جريئة وقوية، ترمز إلى عظمة شعبها.
أيضًا سألها أحدُهم في البرنامج نفسه السابق ذكره أنْ تبعثَ بكلمة للسيد إسماعيل هنية، والرئيس محمود عباس.
كان ردُّها على ما أذكر للسيد هنية: اصبر واصمد ونحن صامدون، واستمر في المقاومة.
وللرئيس: أرجوك كن معنا، وانظر إلى شعبك.
وكأنَّ أطفالَ فلسطين بارعون حتى في السياسة.
و"جميلة" التي فقدت رِجليها وهي ابنة الرابعة عشرة، سألها المراسل: ما حلمك؟ ردَّت عليه بابتسامة: مذيعة أخبار، سألها: لماذا؟ ردَّت: حتى أتكلم عن فلسطين، وأنقل الأخبار، لماذا يا جميلة، لهذه الدَّرجة لم تعودي تثقين بمن ينقل الخبر، وتريدين نقله بنفسك؟!
أمَّا أحمد 9 سنوات بدأ يصفُ المعاناة، ويصرخ: انظر للأطفال على البلاط ينامون، لا ماء، لا كهرباء، لا، لا، لا...
وكأنه ليس طفلاً يتكلم عنهم، كأنَّه هو المسؤول عنهم.
أليسوا رجالاً فعلاً، رجالاً يعلمون الرجال؟!