في واجبنا نحو فلسطين.
عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس
ملخص الخطبة
1- نقض العهود لاتفاقيات السلام ولهاثنا خلف هذه الاتفاقات الهزيلة. 2- وقوف الساسة في بلاد والمسلمين ضد خيار الجهاد والحرب لطرد المغتصب وتثبيطهم وصفهم من ذلك. 3- ضرورة الوقوف في وجه الغرب واليهود سياسيا واقتصادياً. 4- ضرب المسلمين بأموال المسلمين المكدسة في الغرب. 5- المقاطعة للسلع الأمريكية.
الخطبة الأولى
عباد الله: ماذا يجب علي أن أصنع؟ وكيف أتصرف حيال ما يجري للمسلمين في كلِّ مكان وخصوصًا في أولى القبلتين ومسرى رسول الله؟ سؤال يطرحه كل مسلم لازال الإيمان في قلبه ـ لاسيما بعد أن أصبح القادة يتفاضحون عبر قنوات الإثارة والتهييج, فقرأ الناس وعرفوا واطلعوا على ما يجري وراء الكواليس وداخل الأروقة, وعرفوا السر في كونهم منذ أكثر من خمسين عامًا يسمعون جعجعةً ولا يرون طحينًا.
وبسطت لهم الأمور التي توهموها معقدة, وطرحت تساؤلات والناس يسمعون, ليس أفراد الشعوب الذين كثيرًا ما قيل لهم أنتم لا تفقهون في السياسة, ولكن من دهاقنة السياسة وثعالبها, ممن رغبوا في ركوب موجة الهياج الشعبي الإسلامي لانتهاك حرمة المسجد الأقصى المبارك, من أقوام ما عهدناهم أهل غيرة ولا حماس لقضايا الإسلام, بل عهدنا منهم تبديلاً لأحكام الشرع عبر كتب ذات ألوان يضاهئون بها القرآن, ومن غيرهم من ساسة, الله أعلم بنواياهم.
لكنهم طرحوا تساؤلات كررها من روائهم بسطاء الناس وأقلهم فهمًا في السياسة, إننا نطالب بالجهاد ضد إسرائيل وبيننا وبينه مراحل هي بوُسْعِنا لم نعملها بعدُ, مع كونها عظيمة النكاية في إسرائيل ومن يدعمها, لماذا لا يلغى مشروع السلام مع إسرائيل فنبذ إليهم على سواء, والله سبحانه يقول: وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء أي فانبذ إليهم عهدهم حتى تكون أنت وهم في العلم بنقض العهد على حد سواء, إننا الآن ليس فقط نخاف من إسرائيل الخيانة, بل قد لمسناها لقد انتهكوا ونقضوا العهود ولم يوفوا بالاتفاقيات بدليل أن كل طموح المعتدلين من الساسة هو الرجوع إلى اتفاقيات أوسلو, والسؤال الملح من كل مسلم لماذا هذا الحرص على الرجوع للاتفاقيات مع ثبوت نقضهم لكل ميثاق, ومع استعداد أمة الإسلام من شرقها إلى غربها للجهاد ضد إسرائيل, لماذا يتعامل قادة الدول العربية والإسلامية مع شعوبهم كما فعلت المرأة التي حبست هرة لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض, فلا هم يسلحون الشعوب, ولا يسمحون لهم بالجهاد بل يبقون متمسكين باتفاقيات قد نقضها اليهود من كل وجه.
لقد توعد الله المثبطين عن الجهاد بما قد علمتم من قوله: قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرًا وقوله: لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتّلوا تقتيلاً, وقوله: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزىً لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعلمون بصيرًا ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن مُتم أو قتلتم لإلى الله تحشرون.
إذا كانت هذه القوارع في المثبطين عن الجهاد والمعوقين له, فكيف بالمانعين, القاعدين بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن ويبغونها عوجًا, والله يريدها دينًا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا حيث أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا قيمًا لينذر بأسًا شديدًا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا حسنًا ماكثين فيه أبدًا ويقول: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجًا واذكروا إذا كنتم قليلاً فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
ولكننا يا عباد الله مع علمنا بعظم الجرم الذي يرتكبه من يعوِّق ويثبط عن الجهاد في سبيل الله فضلاً عمن يقف مانعًا منه صادًا عنه متوعدًا من قام به بل حارسًا لأعداء الله اليهود حاميًا لهم ثغرة بلاده أن يأتيهم منها المجاهدون مع علمنا بعظم جرم هؤلاء إلا أننا وشعوب الأمة المسلمة كلها تطالب ساستها بما هو دون ذلك بمراحل, وهو يسير على من يسره الله عليه وعسير كل العسر على من ربط مصيره بمصيرهم وجعل زمامه في أيديهم, وتولاهم من دون المؤمنين.
إن من المطالب التي صرح بها بعض الساسة المزايدين عبر قنوات الإثارة والتهييج أن تقاطع إسرائيل وتلغي جميع الاتفاقيات معها؛ لأنها نقضتها, وأن تقفل سفاراتها في الدول التي بها سفارات, وأن تقاطع معها أمريكا السند الوحيد والأكبر لها والتي ذللت لها أموال العالم الإسلامي وثرواته, ماذا يحصل لو قيل لأمريكا إنك داعمة لإسرائيل العدو الظالم الغاشم وعليه فلا علاقة بيننا, فلا قواعد عسكرية ولا تمثيل عسكري, ولا دبلوماسي, ولا تبادل تجاري ولا غير ذلك إنها ستعتبره الموت, مع أنه في العرف الدولي لا يمكن أن يتهم من فعل هذا بأنه أعلن الجهاد ولا أقام حروبًا دينية مخالفًا بذلك مواثيق الأمم المتحدة التي وقع عليها وهي تمنع قيام حروب على أسس دينية وبمعنى أصرح تمنع الجهاد في سبيل الله.
إن أمة الإسلام تملك من الثروات الزراعية والبترولية وخصب الأراضي والمواشي بل والمفكرين والمخترعين وأصحاب المواهب والابتكارات, ما هو كفيل باستقلالها بنفسها واستغنائها عن الأمريكان ومن نحا نحوهم وسار في فلكهم.
إنهم عبّاد المادة, إن أمة الإسلام لو تكاتفت وتناصرت واستغنت ببعضها عنهم لكانت أكبر قوة على وجه الأرض بلا مبالغة, إن كثيرًا من خبراء تلك الدول التي تسمى بالمتقدمة من أصول إسلامية, ولو حصل التمايز والانحياز فلاشك أنهم أو جلّهم سيقدمون خبراتهم في جميع مجالات التقنية لأمتهم, لا لعدوها.
وإن مما يجب على الأمة المسلمة ضرب اقتصاد عدوها بسحب أرصدتها منه, وهي الأرصدة التي أهينت الأمة المسلمة بسببها, فكم تدخل عدونا وفرض سياسته الماكرة على دول مسلمة فقيرة بفعل الضغط المالي الذي يمارسه عليها عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي يهيمن عليه الأمريكان ومن سار في فلكهم, ويدعم أكثره ـ بكل أسف ـ من أموال الدول الإسلامية الغنية, فأموال المسلمين تعطى لعدوهم ليسيطر ويتدخل في سياسات دول مسلمة أخرى, ويفرض عليهم ما يريد, وقديمًا قيل: كاد الفقر أن يكون كفرًا, فمتى يكون صندوق النقد الإسلامي أو الدولي بأيدي المسلمين ولن يجد منهم حتى أعداؤهم إلا الرحمة لفقيرهم ومساعدة كسيرهم, وتاريخنا خير شاهد على حسن تعاملنا, عسى أن يكون قريبًا, نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم. والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
عباد الله: لقائل أن يقول: كل ما سبق مما يقوم به القادة فما دورنا نحن؟ إن ما يجب علينا نوجزه في أمور:
أولها: من كان منا من ذوي الرأي والمشورة فواجب عليه أن يبلغ للمسئولين ما ينفعهم في دينهم وآخرتهم ويكون ناصحًا لهم بما فيه خير أمتهم.
ثانيًا: الدعاء وقد صح عنه : ((وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم, بدعائهم)) ((الدعاء سلاح المؤمن)) أمن يجيب المضطر إذا دعاه والآيات والأحاديث في فضله وأهميته كثيرة فندعو لإخواننا المسلمين, وندعو على عدونا, وندعو لدين الله بالتمكين.
ثالثًا: المال, فندعم إخواننا وندعم القضية بالمال, والحروب تأتي على الأخضر واليابس وتستهلك أموالاً طائلة, ونقاطع البنوك التي تصب في نهاية المطاف لصالح اليهود من البنوك الأوربية والأمريكية وغيرها من بنوك الربا.
رابعًا: دراسة تاريخ القدس والمعرفة التفصيلية بالقضية, وربطها بجذورها الإسلامية وعدم جعلها قضية خاصة بالفلسطينيين وحدهم, ولا بالغرب وحدهم بل هي قضية المسلمين جميعًا كما سبق بيانه في خطبة سابقة.
خامسًا: دراسة أسباب البلاء ومعرفة مكمن الخطر ونقاط الضعف فينا ومن أين أُتينا, فتشخيص الداء أعظم معين على صرف الدواء, والحكم على الشيء فرع عن تصوره.
سادسًا: تجديد الولاء والبراء في نفوس المسلمين وصرف الولاء في المسلمين والبراء من الكافرين واستبانة سبيل المجرمين وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين.
سابعًا: مقاطعة البضائع والسلع الواردة من تلك البلاد الداعمة لإسرائيل والمطاعم ونحوها, وقد نادى بذلك المحامون في مصر, وهو مما تستطيع فعله الشعوب المسلمة, ماذا يضيرك أيها المسلم لو قاطعت كل هذه المطاعم الأمريكية ودعوت إلى ذلك أهلك وأقاربك, إنك تؤجر على ذلك لو فعلته تدينًا وإمعانًا في البراء منهم.
ثامنًا: تحديث النفس بالغزو ((من لم يغزو أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق)) ((إن بالمدينة لأقوامًا ما سرتم مسيرًا أو قاطعتم واديًا إلا شاركوكم في الأجر, حبسهم العذر)).