إدانات إسلامية وأوروبية واسعة لحظر بناء المآذن في سويسرا
دعوات لتنظيم استفتاء مشابه في بلجيكا وهولندا
| - رجل يكتب على مجسم يرمز لمئذنة، شعارات مناهضة لقرار حظر بناء المآذن، في جنيف أمس (أ.ب) |
|
بروكسل: عبد الله مصطفى القاهرة: محمد خيل كولون (ألمانيا): ماجد خطيب
أثار
قرار منع بناء المآذن في سويسرا في الاستفتاء الشعبي الذي نظم أول من أمس،
ردود فعل معارضة من جانب البلدان والمنظمات الإسلامية وأيضا داخل أوروبا
نفسها. فقد أعرب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان
أوغلي، في بيان عن «خيبة أمله وقلقه إزاء نتيجة الاستفتاء». وقال إن
«الحظر يعد نموذجا جديدا يجسد مشاعر العداء المتنامي ضد الإسلام والمسلمين
في أوروبا من قبل جماعات اليمين المتطرف العنصرية والمعادية للمهاجرين
وللأجانب، التي تقف في وجه المواقف الحكيمة والمنطقية والقيم العالمية».
وذكر أنه مقابل انخراط المسلمين في مكافحة التطرف، «نرى أن المجتمعات
الغربية أصبحت اليوم رهينة للمتطرفين الذين يستغلون الإسلام ككبش فداء
وقاعدة لتنفيذ أجندتهم السياسية التي تكرس الاستقطاب والتشرذم في
المجتمعات». وناشد إحسان أوغلي المجتمعات المسلمة إلى «الالتزام بالوسائل
السلمية والديمقراطية في التعبير عن آرائها بشأن هذه المسألة».وبدوره، دان المرجع الديني الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله،
نتيجة الاستفتاء، وقال في بيان، إن «حملة دعائية استهدفت إثارة الرأي
العام السويسري بهدف تقديم صورة مشوهة ومخيفة عن الإسلام». وأضاف، أن
«التحريض المتواصل الهادف إلى إيجاد حالة من العنصرية في الغرب ضد
المسلمين من شأنه أن يعود بالضرر على غير المسلمين». وحذر فضل الله،
المسلمين من أن «يندفعوا باتجاه العنف تحت وطأة ذلك»، داعيا إياهم إلى أن
«يكونوا إيجابيين مع مواطنيهم السويسريين، حتى مع الذين صوتوا لصالح قرار
منع المآذن في سويسرا».ومن جانبه، وصف علي جمعة، مفتي مصر، قرار حظر بناء المآذن في سويسرا بأنه
«تصرف استفزازي»، ومحاولة تسيء لمشاعر المجتمع الإسلامي داخل سويسرا
وخارجها. ودعا جمعة، مسلمي سويسرا لاستخدام «الحوار» والآليات القانونية
والدستورية لمواجهة قرار حظر بناء المآذن. وأعرب مفتى مصر في تصريحات
لـ«الشرق الأوسط» عن استنكاره لتمرير مبادرة حظر بناء المآذن في سويسرا.
وقال: «لقد سمعنا بأسى بالغ عن هذه المبادرة التي لا تعتبر هجوما على حرية
الاعتقاد فحسب، بل هي أيضا محاولة لإهانة مشاعر المجتمع الإسلامي داخل
سويسرا وخارجها»، معربا عن قلقه البالغ بشأن هذه السابقة الخطيرة التي
يمكن أن تعمق من مشاعر الكراهية والتمييز ضد المسلمين، خاصة أن الاستفتاء
حول الحظر لا يشمل إلا أماكن عبادتهم في الوقت الذي لم تتعرض فيه أي من
المباني التابعة لجميع الديانات الأخرى بسويسرا لأي تقييد. ودعا مفتي مصر
المسلمين في بلاد العالم إلى عدم التأثر بـ«هذا الاستفزاز» المتعارض مع
مبادئ حقوق الإنسان، مطالبا جميع المنظمات والهيئات الإسلامية إلى التكاتف
والتعاون وتوحيد الجهود والأفعال، وذلك في إطار القانون والشرعية الدولية
مبرزين وجه الإسلام المشرق.ورأت جمعية نهضة الأمة الرئيسية في إندونيسيا في الاستفتاء مؤشرا على
«الكراهية» و«اللا تسامح»، لكنها دعت بالمثل إلى ضبط النفس. وفي باكستان
اعتبر خورشيد أحمد، نائب رئيس الجماعة الإسلامية، العضو في البرلمان، أن
الاستفتاء «يعكس كراهية شديدة للإسلام». ورأت جماعة الدعوة التي تعتبر
الجناح السياسي لمجموعة «عسكر طيبة» المسلحة المحظورة القرار «انتهاكا
لمبادئ التعايش والتسامح الديني». وأيد الفاتيكان أمس موقف الأساقفة
السويسريين الذين اعتبروا حظر بناء المآذن «ضربة قاسية لحرية المعتقد».
وقال رئيس المجلس البابوي للمهاجرين المونسنيور ماريا سفيليو، لوكالة
الأنباء الإيطالية «انسا» إننا «نتبنى الموقف نفسه للأساقفة السويسريين».
وأضاف «نلاحظ بالتأكيد شعورا بالكراهية والخوف في كل مكان، لكن على
المسيحي أن يعرف كيف يتجاوز ذلك». وكان الأمين العام للمؤتمر الأسقفي
السويسري المونسنيور فيليكس غمور، أعرب أول من أمس، أن أساقفة سويسرا
مستاؤون، وأضاف أن «المجمع الفاتيكاني الثاني يقول بوضوح، إنه من المسموح
لكل الديانات بناء أماكن عبادة، والمآذن هي أماكن عبادة. إنها ضربة قاسية
للحمة» المجتمع السويسري.وأعرب الأوروبيون عموما عن أسفهم لنتيجة الاستفتاء الذي أيد فيه 57.5 في
المائة من السويسريين دعوة اليمين الشعبوي لمنع المآذن، معربين عن خشيتهم
من تبعاته، لا سيما أن التظاهرات والاضطرابات التي حصلت في 2005 و2008
بسبب نشر رسوم كاريكاتورية تصور الرسول محمد في الدنمارك لا تزال ماثلة في
الأذهان. وأعربت الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي عن استغرابها لطرح
الأمر أصلا على الاستفتاء. وقالت وزيرة الهجرة السويدية نيامكو سابومي، إن
«لدى سويسرا نظام استفتاء شعبيا رائعا لكن يساء استخدامه أحيانا، كما في
هذه الحالة بعينها». وأضافت الوزيرة، وهي من أصل أفريقي، «ما من مشكلات
بين المسلمين والأوروبيين في الاتحاد الأوروبي. المسلمون هم أوروبيون».وأعرب وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، عن صدمته لما وصفه بأنه تعبير
عن «عدم قبول الآخر». كما عبر وزير الهجرة الفرنسي إريك بيسون، عن
الاستياء الغربي بقوله، إنه «لا ينبغي إعطاء شعور بوصم واستبعاد ديانة
بعينها، كالإسلام في هذه الحالة». وكتبت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية على
صفحتها الأولى مانشيتا يقول: «تصويت العار». وأفردت للقرار السويسري ثلاث
صفحات داخلية. وكتب محررها يصف تصويت السويسريين بأنه ذو أثر رمزي ثقيل
ويكشف التوجس من الإسلام في عدة دول أُوروبية، وبالأخص هولندا، وأيضا في
فرنسا أو بريطانيا. وهو إجراء كفيل بأن يعكر العلاقات، مرة أخرى، بين
الغرب والعالم العربي ـ الإسلامي.وفي ألمانيا، صرح مسؤول في حزب المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، أن
انتصار مناهضي بناء المآذن في الاستفتاء الذي جرى في سويسرا ينم عن خوف من
أسلمة البلد، موضحا أنه خوف موجود أيضا في ألمانيا، ويجب أخذه «على محمل
الجد». لكن ارمين لاشيت، وزير الاندماج في ولاية الراين الشمالي
فيستفاليا، وهو من الحزب نفسه، قال إن اقتراعا في ألمانيا على الطريقة
السويسرية نفسها غير جائز لأنه يتعلق بحقوق ديمقراطية مثبتة في الدستور.
وقال لاشيت، إن الاندماج لن يتحقق إلا بحماية حق الآخرين في ممارسة حريتهم
الدينية. وشجبت منظمة العفو الدولية «انتهاك حرية المعتقد التي لا تتماشى
مع الاتفاقات التي وقعتها سويسرا». ولم يعلن تأييده لنتيجة الاستفتاء
السويسري سوى بعض السياسيين الإيطاليين، ومن بينهم وزير ومسؤول إقليمي،
وكذلك حركات اليمين المتطرف في فرنسا والنمسا.وأعرب زعيم اليمين المتشدد في بلجيكا، فيليب ديونتر، عن سعادته لنتيجة
الاستفتاء في سويسرا. وقال اليميني المتشدد، إن ما حدث كان نموذجا ومثالا
لرفض الأوروبيين للعادات التي يحاول الإسلام فرضها على المجتمعات
الأوروبية، وهي أمور غير مرغوب فيها، ولا تتواءم مع مجتمعاتنا، على حد
تعبيره.وأعرب ديونتر عن أمله في أن تشهد بلجيكا استفتاء مماثلا لما حدث في
سويسرا، وقال إنه سيقدم مقترحا لتعديل القانون الصادر في 18 مايو (أيار)
1999 بشأن بناء المساجد والمآذن، مشيرا إلى أن مقترحه سيدعو ليكون بناء
المساجد في المستقبل وفقا للتصميمات والاعتبارات الأوروبية.وفي هولندا قال زعيم اليمين المتشدد خيرت فيلدرز، إنه «سعيد جدا» بنتائج
الاستفتاء وقدم التهنئة للشعب السويسري واليمين المتشدد هناك. وقال
فيلدرز، الذي ينتمي إلى حزب الحرية، إن بلاده لا بد أن تخطو نفس الخطوة.
وأضاف: «إذا لم توافق الحكومة على ذلك سأتقدم بمبادرة مماثلة». ويذكر أن
فيلدرز معروف بمواقفه المعادية للإسلام، وبث في مارس (آذار) من العام
الماضي فيلما مسيئا للإسلام، على الإنترنت يحمل اسم «فتنة». ويشغل حزب
الحرية تسعة مقاعد من أصل 150 في مجلس النواب.