عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول :
الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ،
وقص الشارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الإبط.
فيه مسائل :
1 = الحديث لا يدل على الحصر
بدليل أنه جاء في رواية في الصحيحين :
خمس من الفطرة .
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من الفطرة : حلق العانة ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب .
ويدلّ عليه حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : عشرٌ من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق
الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص
الماء . قال زكريا قال مصعب : ونسيت العاشرة ، إلا أن تكون المضمضة . زاد
قتيبة قال وكيع : انتقاص الماء يعني الاستنجاء .
وذكر ابن العربي أن خصال الفطرة تبلغ ثلاثين خصلة . نقله ابن حجر .
2 = معنى الفطرة
في التنزيل العزيز ( فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )
قال مجاهد : صبغة الله الإسلام ، فطرة الله التي فطر الناس عليها .
وكان الحسن يقول : فطرة الله الإسلام .
وقال الخطابي : الفطرة : الملة أو الدِّين .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى
إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) قال : ابتلاه الله
بالطهارة خمس في الرأس ، وخمس في الجسد ؛ في الرأس : السواك ، والاستنشاق ،
والمضمضة ، وقص الشارب ، وفرق الرأس ، وفي الجسد خمسة : تقليم الأظافر ، وحلق
العانة ، والختان ، والاستنجاء عند الغائط والبول ، ونتف الإبط . رواه عبد
الرزاق ومن طريقه ابن جرير الطبري في التفسير .
وجاء في حديث الإسراء قوله عليه الصلاة والسلام : أُتيت بإناءين في أحدهما
لبن وفي الآخر خمر ، فقيل : اشرب أيهما شئت ، فأخذت اللبن فشربته ، فقيل :
أخذت الفطرة ، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك . رواه البخاري ومسلم .
ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : ما من مولود إلا يولد على الفطرة . رواه
البخاري ومسلم .
وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا روى هذا الحديث قرأ ( فِطْرَةَ اللَّهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا )
فعلى هذا يكون تفسير الفطرة هنا التوحيد والإقرار بالوحدانية لله عز وجل .
قال ابن الأثير : والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول
الدين ، فلو تُرك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها ، وإنما
يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد .
وقال أيضا في بيان " عشرٌ من الفطرة " : أي من السنة يعني سنن الأنبياء عليهم
السلام التي أمرنا أن نقتدي بهم فيها .
وقيل في معنى الفطرة : الجِبلّة وأصل الخلقة .
أي أن الله عز وجل خلق الخلق وجبله عليها .
فَسَويّ الفطرة والخِلقَة يفعل هذه الأشيئاء بمقتضى الفطرة .
3 = الختان
هو سِمة لهذه الأمة ، وكان معروفاً في
الأمم السابقة .
يدل عليه ما جاء في قصة هرقل لما نظر في النجوم فرأى أن مُلك الختان قد ظهر
فسأل : من يختتن من هذه الأمة ؟ قالوا : ليس يختتن إلا اليهود ، فلا يهمنك
شأنهم ، واكتب إلى مداين ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود ، فبينما هم على
أمرهم أُتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يُخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فلما استخبره هرقل قال : اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا ؟ فنظروا
إليه ، فحدّثوه أنه مختتن ، وسأله عن العرب فقال : هم يختتنون ، فقال هرقل :
هذا ملك هذه الأمة قد ظهر . رواه البخاري ومسلم .
بل كان من عمل الأنبياء ، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اختتن إبراهيم عليه السلام وهو بن
ثمانين سنة بالقدوم .
والخِتان أو الاختتان هو : قطع القلفة التي تكون على رأس الذّكر .
وختان النساء سُنة للنساء
لقوله عليه الصلاة والسلام لأم عطية : يا أم عطية إذا خفضت فأشمّي ولا تنهكي
، فإنه أسرى للوجه ، وأحظى عند الزوج . رواه أبو داود والحاكم والبيهقي
وغيرهم ، وصححه الألباني .
وفي رواية : أن امرأة كانت تختن بالمدينة ، فقال لها النبي صلى الله عليه
وسلم : لا تَنهكي ؛ فإن ذلك أحظى للمرأة ، وأحب إلى البعل .
ومعنى لا تنهكي : أي لا تبالغي في استقصاء الختان .
والخفض وهو الختان ، والمقصود به هنا ختان الإناث .
ولذا جاء في وجوب الغسل قوله عليه الصلاة والسلام : إذا التقى الختانان فقد
وجب الغسل . وسوف يأتي بتمامه وشرحه – إن شاء الله -
وكان ختان النساء معروفا عند العرب قبل الإسلام ، ويدلّ عليه قول حمزة رضي
الله عنه للمشرك : يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور . رواه البخاري .
والخلاصة أن ختان الإناث معروف ، وهو من السنة خلافاً لمن أنكره ، والذي يظهر
أن له علاقة باختلاف المناطق ما بين حارة وباردة .
والذي يظهر وجوب الختان ؛ لإطباق الأمة عليه ، ولم يُنقل عن أحد أنه ترك
الختان ، ولأن عدم الختان سبب في بقاء النجاسة .
وقد ثبت طبياً أن غير المختون يُصاب بسرطان الذَّكر .
وأما وقته : فقيل يُستحب يوم سابعه ، والأمر فيه موسّع ، بل كان الصحابة لا
يختنون إلا عند مقاربة البلوغ .
فعن سعيد بن جبير قال : سئل ابن عباس رضي الله عنهما : مثل من أنت حين قبض
النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أنا يومئذ مختون . قال : وكانوا لا يختنون
الرجل حتى يدرك . رواه البخاري .
وفي رواية له قال : قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ختين .
4 = الاستحداد
مأخوذ من استعمال الحديدة ، وهي
الموسى ، ويُقصد بها هنا حلق شعر العانة للرجل والمرأة على حـدّ سواء .
ويدلّ عليه أيضا قوله عليه الصلاة والسلام : إذا قدم أحدكم ليلا ، فلا يأتين
أهله طروقا حتى تستحدّ الـمُغِيبَة ، وتمتشط الشعثة . رواه البخاري ومسلم .
قال الحافظ ابن حجر : أي التي غاب عنها زوجها ، والمراد إزالة الشعر عنها ،
وعبر بالاستحداد ؛ لأنه الغالب استعماله في إزالة الشعر ، وليس في ذلك منع
إزالته بغير الموسى . انتهى .
5 = هل يجوز استعمال غير الموس ؟
نعم ؛ لأن المقصود هو إزالة الشعر ،
وقد كان بعض السلف يستعملون النّورة ، وهي ما يُطلى به الجسم لإزالة الشعر من
الموضع المراد إزالته منه .
6 = قص الشارب
الناس في قص الشارب طرفان ووسط
فطرف أعفاه ووفره ، وطرف حلقه ، وكلا طرفي قصد الأمور ذميمُ .
والوسط أن يؤخذ منه ويُحفّ ، وهذا هو السنة .
ولذا كان الإمام مالك – رحمه الله – يقول : يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف
الشفة وهو الإطار ، وذكر ابن عبد الحكم عنه قال : وتحفى الشوارب ، وتعفى
اللحى ، وليس إحفاء الشارب حلقه ، وأرى أن يؤدَّب من حلق شاربه .
وقال الإمام مالك في حلق الشارب : هذه بدع ! وأرى أن يوجع ضربا من فعله .
وقال ابن خويز منداد قال مالك : أرى أن يوجع من حلقه ضربا ، كأنه يراه
ممثِّـلا بنفسه .
وقال أشهب : سألت مالكا عمن يحفي شاربه ؟ فقال : أرى أن يوجع ضربا ، وقال لمن
يحلق شاربه : هذه بدعة ظهرت في الناس .
وهدي النبي صلى الله عليه على آله وسلم هو خير الهدي ، وقد كان صلى الله عليه
على آله وسلم يحف شاربه ، وربما أمر الحجام أن يأخذ من شاربه .
قال المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – : ضفت رسول الله صلى الله عليه على آله
وسلم . قال : وكان شاربي قد وفّـى ، فقصّه لي على سواك ، أو قال أقصه لك على
سواك . رواه أحمد وأبو داود وغيره ، وصححه الألباني .
وفي رواية قال : فوضع السواك تحت الشارب فقصّ عليه .
والنبي صلى الله عليه على آله وسلم عبّر – فيما يتعلق بالشارب - بألفاظ منها
:
( قص الشارب – حفّ الشارب – إحفاء الشارب – إنهاك الشوارب )
ولم أرَ في حديث واحد التعبير بلفظ ( حلق الشوارب ) مع أنه صلى الله عليه على
آله وسلم عبّر بهذا اللفظ فيما يتعلق بالنسك ، وفيما يتعلق بالعانة .
ولا يرد عليه فعل ابن عمر رضي الله عنهما من أنه كان يُحفي شاربه حتى يُنظر
إلى بياض الجلد . رواه ابن أبي شيبة وعلّقه البخاري .
فهذا يدلّ على المبالغة في إحفاء الشارب وليس فيه دليل على حَلْقه .
وقال محمد بن هلال : رأيت سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وسالما وعروة بن
الزبير وجعفر بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبا بكر بن عبد
الرحمن بن الحارث بن هشام لا يحفون شواربهم جداً ، يأخذون منها أخذاً حسناً .
وقال أبو بكر الأثرم : رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه إحفاء شديداً ، وسمعته
يُسأل عن السنة في إحفاء الشارب ، فقال : يحفى كما قال نبي الله صلى الله
عليه وسلم : احفوا الشارب .
7 = الحِـكمة في قصّ الشوارب :
1 -
مخالفة المشركين ، لقوله صلى الله عليه على آله وسلم : خالفوا المشركين ،
أحفوا الشوارب ، وأوفوا اللحى . رواه مسلم .
وقال أيضا : جزوا الشوارب ، وأرخوا اللحى . خالفوا المجوس . رواه مسلم .
فالمسلم مُستقل الشخصية ، صاف المعتقد .
2 -
ذكر ابن حجر من فوائد وحكم قص الشارب : الأمن من التشويش على الآكل ، وبقاء
زهومه المأكول فيه . وما ذكره ابن حجر ذكره الطبري قبله ، فإنه قال : وقص
الشارب أن يأخذ ما طال على الشفة ، بحيث لا يؤذي الآكل ، ولا يجتمع فيه الوسخ
. انتهى .
وأضيف على ما ذُكر :
3 –
تقذّر الناس له ، بحيث إذا شرب ( طويل الشوارب ) من الإناء وانغمس شاربه في
الإناء كره الناس الشرب بعده ، واستقذروه .
ولذا جاء النهي عن النفخ في الشراب والتنفس في الإناء ، لئلا يتأذى الذي يشرب
بعده ، ولأمن انتقال الأمراض .
ولو لم يكن في قص الشارب إلا امتثال أمر النبي صلى الله عليه على آله وسلم
والاقتداء به لكفى .
وأما إعفاء الشوارب وتوفيره وتربيته فهو فعل المجوس
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : من لم يأخذ من شاربه فليس منا . رواه الإمام
أحمد والترمذي والنسائي ، وصححه الألباني .
8 = وتقليم الأظافر
وهذه خصلة من خصال الفطرة ، وهي من
محاسن هذا الدين .
وفي النص عليها دليل على شمولية الإسلام ، وأنه دين الفطرة ، ودين الكمال .
والظُّفُر معروف وجمعه أظفار ، وأظفور ، وأظافير ، يكون للإنسان وغيره . قاله
ابن منظور .
والأظافر يشمل أظافر اليدين والرجلين .
وتقليم الأظافر هو تقصيصها .
وذكروا كلاما طويلاً حول كيفية تقليم الأظافر ، وبأي الأصابع يبدأ ، ولا يصح
في ذلك شيء .
كما لا يصح في دفن الأظافر حديث .
وقد ثبت طبياً أن إطالة الأظافر تُكون سببا في بعض الأمراض .
مع ما في إطالة الأظافر من التشبه بالكفار ، خاصة لدى النساء .
وما فيها إذا طالت من أذى للشخص أو لغيره ، فيؤذي نفسه بأن يجرح جلده أو يجرح
غيره ، أو ينكسر ظفره فيتأذى بذلك .
وكون تقليم الأظافر من الفطرة يدلّ على أن إطالة الأظافر دليل على انتكاس
الفطرة .
ويُستثنى من تقليم الأظفار من أراد أن يُضحّي بعد دخول شهر ذي الحجة إلى أن
يُضحّي .
واستثنى بعض العلماء من ذلك حالة الغزو ، فقالوا : له أن يُطيل أظافره ؛ لأنه
قد يحتاج إليها .
9 = ونتف الإبط
الإبْـط بإسكان الباء .
ونص هنا على النتف ؛ لأنه أقل في إنبات الشَّعر ، ولأن النتف يُضعف إفراز
الغدد العرقية والدهنية ، كما ذكره أهل الاختصاص .
ولو كان يشق عليه نتف إبطه فإنه يُحصّل المقصود بالحلق أو الإزالة .
10 = توقيت الأخذ من هذه الأشياء .
قال أنس رضي الله عنه : وُقِّت لنا في
قص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، أن لا نترك أكثر من
أربعين ليلة . رواه مسلم .
والله تعالى أعلى وأعلم .