نبذة حول الأديب: أحلام مستغانمي
سمها : أحلام مستغانمي (1953م - ...... )
المولد والنشأة :
ولدت أحلام سنة 1953، وهي الابنة البكر لعائلة جزائرية من مدينة قسنطينية. والدها " محمد الشريف " أحد ثوّار المقاومة الجزائرية ، عرف السجون الفرنسيّة بسبب مشاركته في مظاهرات 8 ماي1945 .
وبعد أن أطلق سراحه سنة 1947 كان قد فقد عمله بالبلديّة, ومع ذلك فإنّه يعتبر محظوظاً إذ لم يلق حتفه مع من مات آنذاك -45 ألف شهيد سقطوا خلال تلك المظاهرات- ، ثم أصبح ملاحقًا من قبل الشرطة الفرنسيّة, بسبب نشاطه السياسي بعد حلّ حزب الشعب الجزائري ، و الذي أدّى إلى ولادة ما هو أكثر أهميّة وخطراً : حزب جبهة التحرير الوطني FLN.
أمه فاطمة الزهراء ثكِلت كل إخوتهِ في مظاهرات 1945 ، وكانت تعيش في ظلال الخشية من أن تفقد آخر أبنائها .
هذه المأساة, لم تكن مصيراً لأسرة المستغانمي فقط ، بل لكلّ الجزائر من خلال ملايين العائلات التي وجدت نفسها ممزّقة تحت وطأة الدمار الذي خلّفه الإستعمار.
بعد أشهر قليلة, توّجه محمد الشريف مع أمّه وزوجته وأحزانه إلى تونس طلباً للأمن .
كانت تونس وقتها مقرًّا لبعض الثوّار كالأمير عبد القادر والمقراني بعد نفيهما. ويجد محمد الشريف نفسه محاطاً - من جديد - بجوٍّ ساخن لا يخلو من النضال, والجهاد في حزبي MTLD و PPA بطريقة تختلف عن نضاله السابق ولكن لا تقلّ أهميّة عن الذين يخوضون المعارك.
في هذه الظروف التي كانت تحمل مخاض الثورة, وإرهاصاتها الأولى تولد أحلام في تونس. ولكي تعيش أسرتها, يضطر الوالد للعمل كمدرّس للّغة الفرنسيّة. لأنّه لا يملك تأهيلاً غير تلك اللّغة, لذلك, سوف يبذل الأب كلّ ما بوسعه بعد ذلك, لتتعلَّم ابنته اللغة العربيّة التي مُنع هو من تعلمها.
وبالإضافة إلى عمله, ناضل محمد الشريف في حزب الدستور التونسي محافظًا بذلك على نشاطه النضالي المغاربيّ ضد الإستعمار و كان منزله مركزاً يلتقي فيه المجاهدون الذين سيلتحقون بالجبال, أو العائدين للمعالجة في تونس من الإصابات.
بعد الإستقلال ، عاد جميع أفراد الأسرة إلى الوطن. واستقرّ الأب في العاصمة حيث كان يشغل منصب مستشار تقنيّ لدى رئاسة الجمهوريّة, ثم مديراً في وزارة الفلاحة, وأوّل مسؤول عن إدارة وتوزيع الأملاك الشاغرة, والمزارع والأراضي الفلاحيّة التي تركها المعمّرون الفرنسيون بعد مغادرتهم الجزائر. إضافة إلى نشاطه الدائم في اتحاد العمال الجزائريّين, الذي كان أحد ممثليه أثناء حرب التحرير.غير أن حماسه لبناء الجزائر المستقلّة لتوّها, جعله يتطوّع في كل مشروع يساعد في الإسراع في إعمارها. وهكذا إضافة إلى المهمّات التي كان يقوم بها داخليًّا لتفقّد أوضاع الفلاّحين, تطوَّع لإعداد برنامج إذاعي (باللّغة الفرنسيّة) لشرح خطة التسيير الذاتي الفلاحي. ثمّ ساهم في حملة محو الأميّة التي دعا إليها الرئيس أحمد بن بلّة بإشرافه على إعداد كتب لهذه الغاية.
وهكذا نشأت ابنته الكبرى في محيط عائلي يلعب الأب فيه دورًا أساسيًّا. وكانت مقرّبة كثيرًا من أبيها وخالها عزّ الدين الضابط في جيش التحرير الذي كان كأخيها الأكبر. وعبر هاتين الشخصيتين, عاشت كلّ المؤثّرات التي تطرأ على الساحة السياسيّة. و التي كشفت لها عن بعد أعمق, للجرح الجزائري .
تعليمها :
اختار والدها لها اللغة العربية . تتعلّمها كلغة أساس لتثأر له بها ، فكانت أحلام مع أول فوج للبنات يتابع تعليمه في مدرسة الثعالبيّة, أولى مدرسة معرّبة للبنات في العاصمة. وتنتقل منها إلى ثانوية عائشة أم المؤمنين. لتتخرّج سنة 1971 من كليّة الآداب في الجزائر ضمن أوّل دفعة معرّبة تتخرّج بعد الإستقلال من جامعات الجزائر. وقد أكملت تعليمها حتى نالت شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون في فرنسا .
محطّات :
- سنة 196
7, وإثر انقلاب بومدين واعتقال الرئيس أحمد بن بلّة. وقع الأب مريضًا نتيجة للخلافات "القبليّة" والانقلابات السياسيّة التي أصبح فيها رفاق الأمس ألدّ الأعداء.هذه الأزمة النفسيّة, أو الانهيار العصبيّ الذي أصابه, جعله يفقد صوابه في بعض الأحيان. خاصة بعد تعرّضه لمحاولة اغتيال, مما أدّى إلى الإقامة من حين لآخر في مصحّ عقليّ تابع للجيش الوطني الشعبيّ.
- في تلك السنة كان على أحلام وكانت بنت الثمانية عشر عاماً و أثناء إعدادها لشهادة الباكلوريا, كان عليها ان تعمل لتساهم في إعالة إخوتها وعائلة تركها الوالد دون مورد. ولذا خلال ثلاث سنوات كانت أحلام تعدّ وتقدّم برنامجًا يوميًا في الإذاعة الجزائريّة يبثّ في ساعة متأخرّة من المساء تحت عنوان "همسات". وقد لاقت تلك "الوشوشات" الشعريّة نجاحًا كبيرًا تجاوز الحدود الجزائرية الى دول المغرب العربي. وساهمت في ميلاد إسم أحلام مستغانمي الشعريّ, الذي وجد له سندًا في صوتها الأذاعيّ المميّز وفي مقالات وقصائد كانت تنشرها أحلام في الصحافة الجزائرية.
- أصدرت أول ديوان سنة 1971 في الجزائر تحت عنوان "على مرفأ الأيام " .
- بعد منتصف السبعينات هاجرت أحلام مستغانمي إلى فرنسا ، تزوجت من صحفي لبناني، وتفرّغت حينها لعائلتها وغابت مدة عن الساحة الأدبية العربية .
-في بداية الثمانينات كان قرارها في العودة مجددا إلى الكتابة فشاركت في مجلّة "الحوار" التي كان يصدرها زوجها من باريس ومجلة "التضامن" التي كانت تصدر من لندن، وفي ذلك الوقت حصلت على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون .
- في عام 1993 م بدأ إصدارها للثلاثية الحدث بدءاً بـ " ذاكرة الجسد " وكانت بها أول امرأة جزائرية تؤلف رواية باللغة العربية ... تبعتها " فوضى الحواس "1997 ، " عابر سرير " 2000 .
أوسمة :
- عن روايتها " ذاكرة الجسد " حازت على جائزة نور ،تمنح لأحسن إبداع نسائي باللغة العربية، منحت لها سنة 1996 من مؤسسة نور بالقاهرة.
- جائزة نجيب محفوظ، للرواية ، منحت لها من قبل الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 1998 م
- حازت الرواية " ذاكرة الجسد " أيضا على جائزة "جورج تراباي" الذي يكرّم كل سنة أفضل عمل أدبي كبير منشور في لبنان .
- أدخلت " ذاكرة الجسد " في المقرر التعليمي للعديد من الجامعات الدولية، وفي جامعات عربية أيضا ( السربون بباريس،جامعة ليون، جامعة ماريلاند بواشنطن،الجامعة الأمريكية ببيروت و القاهرة،جامعة عمان بالأردن،الجامعة الجزائرية، جامعة سانت ـ جوزيف بيروت....) و أيضا في برنامج الثانوية العامة بلبنان.
- اختارتها صحيفة "الشروق" الجزائرية الشخصية الثقافية لعام 2007.
- وقد سبق للأديبة ان اختارتها المجلة العالمية Forbes الكاتبة العربي
ة الأكثر انتشارا لتجاوز مبيعاتها عتبة المليونين وثلاثمائة ألف نسخة.
- واختارتها مجلة "Arabian Business" العالمية في احصاء سنوي ترصد من خلاله أهم الشخصيات في العالم العربي، مرتين على
التوالي في 2006 و2007، من بين أقوى 100 شخصية عربية.
ما قالهُ النقّاد :
- جاء في صحيفة "الراية" القطرية أنّ "مستغانمي" هي من بين النساء العشر الأكثر تأثيرا في العالم العربي والأولى في مجال الأدب .
-و يقول نزار قباني عن أدبها : " قرأت رواية "ذاكرة الجس
د" لأحلام مستغانمي، وأنا جالس أمام بركة السباحة في فندق سامرلاند في بيروت .
بعد أن فرغت من قراءة الرواية، خرجت لي أحلام من تحت الماء الأزرق، كسمكة دولفين جميلة، وشربت معي فنجان قهوة وجسدها يقطر ماء... روايتها دوختني. وأنا نادرا ما أدوخ أمام رواية من الروايات. وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق، فهو مجنون، ومتوتر، واقتحامي، ومتوحش، وإنساني، وشهواني....وخارج عن القانون مثلي.
ولو أن أحدا طلب مني آن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر.... لما ترددت لحظة واحدة ... هل كانت احلام مستغانمي في روايتها "تكتبني" دون ان تدري؟... لقد كانت مثلي متهجم على الصفحة البيضاء، بجمالية لاحد لها. وشراسة لاحد لها.
وجنون لاحد له...
الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور... بحر الحب، وبحر الايديولوجية... وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها ومرتزقيها، وأبطالها وقاتليها، وملائكتها وشياطينها، وأنبيائها وسارقيها.. هذه الرواية لا تختصر ذاكرة الجسد فحسب، ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري، والحزن الجزائري، والجاهلية الجزائرية التي آن لها أن تنتهي.. وعندما قلت لصديق العمر سهيل إدريس رأيي في رواية أحلام، قال لي : لاترفع صوتك عاليا ... لان احلام اذا سمعت كلامك الجميل عنها، فسوف تجن.........؛ أجبته: دعها تجن .... لأن الأعمال الابداعية الكبرى لا يكتبها إلا المجانين.
- وقال عنها الرئيس الأسبق أحمد بن بله "إنّ أحلام مستغانمي شمس جزائرية أضاءت الأدب العربيّ. لقد رفعت بإنتاجها الأدب الجزائري إلى قامة تليق بتاريخ نضالنا. نفاخر بقلمها العربيّ، إفتخارنا كجزائريّين بعروبتنا".
- وقد ذهب الناقد عبد الله الغدامي في بحثه عن العلاقة بين الكاتبة أحلام ولغتها الروائية الى القول بأن "الكاتبة استطاعت أن تكسر سلطة الرجل على اللغة، هذه اللغة التي كانت منذ أزمنة طويلة حكرا على الرجل واتسمت بفحولته، وهو الذي يقرر ألفاظها ومعانيها فكانت دائما تقرأ وتكتب من خلال فحولة الرجل الذي احتكر كل شيء حتى اللغة ذاتها.
استطاعت أن تصنع من عادتها اللغوية نصوصا تكسر فيها عادات التعبير المألوف المبتذل وتجعل منها مواد اغراء وشهية، وراحت وهي تكتب تحتفل بهذه اللغة التي أصبحت مؤنثة كأنوثتها، وأقامت معها علاقة حب وعشق دلا على أن اللغة ليست حكرا على فحولة الرجال بل تستطيع أن تكون أيضا الى جانب الانوثة.
فصارت اللغة حرة من القيد والتابوهات وصار للمرأة مجال لأن تداخل الفعل اللغوي وتصبح فاعلة فيه فاستردت بذلك حريتها وحرية اللغة...
فأحلام هي مؤلفة الرواية، وأحلام هي أيضا بطلة النص، واللغة فيما كتبته أحلام هي الأخرى بطلة، بحيث أن اللغة الروائية في هذين العملين ""ذاكرة الجسد" و"فوضى الحواس"" تطغى على كل شيء وتتحول الى موضوع الخطاب وموضوع النص.
فامتزجت بذلك أنوثة اللغة المستعادة مع أنوثة المؤلفة وكذا أنوثة "أحلام" البطلة في الروايتين ووحدة العلاقة بين الانثى خارج النص والانثى التي في داخل النص تعني عضوية العلاقة بين المؤلفة ولغتها.
وتمتد هذه العلاقة من خلال "اتحاد الانثى "أحلام مع كل العناصر الاساسية في الروايتين فأحلام هي أحلام، وهي المدينة وهي قسنطينة، وهي البطل وهي الوطن وهي الذاكرة وهي الحياة، لأنها في البداية كان اسمها حياة، وهي النص وهي المنصوص، وهي الكاتبة وهي المكتوبة وهي العاشقة وهي المعشوقة وهي اللغة وهي الحلم وهي الألم لأن الحلم والألم: أحلام تساوي حلما وألما " .
مؤلفاتها :
- ذاكرة الجسد
- فوضى الحواس
- عابر سرير
- الجزائر امرأة ونصوص
- على مرفأ الأيام
- أكاذيب سمكة
- الكتابة في لحظة عري
- نسيان com
- قلوبهم معنا ، وقنابلهم علينا
تُرجم لها :
- ترجمت رواية " ذاكرة الجسد " إلى لغات عديدة منها الإنجليزية بواسطة بارعة الأحمر ، وإلى اللغة الإيطالية بواسطة فرانسيسكو ليجيو، و إلى الفرنسيةـ منشورات ألبين ميشيل ـ بواسطة محمد مقدم.
ويذكر انها في طريق الصدور باللّغات ( الألمانية، الأسبانية، الصينية، الكردية) .
و تقطن مستغانمي حالياً في العاصمة اللبنانية بيروت .
****
مختارات :
من رواية ذاكرة الجسد:
" ما زلت أذكر قولكِ ذات يوم :
"الحب هو ما حدث بيننا. والأدب هو كل ما لم يحدث".
يمكنني اليوم, بعد ما انتهى كل شيء أن أقول :
هنيئا للأدب على فجيعتنا إذن فما اكبر مساحة ما لم يحدث . إنها تصلح اليوم لأكثر من كتاب .
وهنيئا للحب أيضا ...
فما أجمل الذي حدث بيننا ... ما أجمل الذي لم يحدث...
ما أجمل الذي لن يحدث .
قبل اليوم, كنت اعتقد أننا لا يمكن أن نكتب عن حياتنا إلا عندما نشفى منها .
عندما يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم , دون أن نتألم مرة أخرى!
عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنين, دون جنون, ودون حقد أيضا .
أيمكن هذا حقاً ؟
نحن لا نشفى من ذاكرتنا .
ولهذا نحن نكتب, ولهذا نحن نرسم, ولهذا يموت بعضنا أيضا .
- أتريد قهوه ؟
يأتي صوت عتيقة غائبا, وكأنه يطرح السؤال على شخص غيري .
معتذرا دون اعتذار, على وجه للحزن لم أخلعه منذ أيام .
يخذلني صوتي فجأة ...
أجيب بإشارة من رأسي فقط .
فتنسحب لتعود بعد لحظات, بصينية قهوة نحاسيه كبيرة عليها إبريق، وفناجين, وسكريه, ومرشّ لماء الزهر, وصحن للحلويات !
في مدن أخرى تقدم القهوة جاهزة في فنجان, وضعت جواره مسبقاً معلقه وقطعة سكر .
ولكن قسنطينة مدينه تكره الإيجاز في كل شيء .
إنها تفرد ما عندها دائما .تماما كما تلبس كل ما تملك. وتقول كل ما تعرف .
ولهذا كان حتى الحزن وليمه في هذه المدينة .
أجمع الأوراق المبعثرة أمامي , لأترك مكاناً لفنجان القهوة وكأنني أفسح مكانا لك ..!
بعضها مسودات قديمة, وأخرى أوراق بيضاء تنتظر منذ أيام بعض الكلمات فقط... كي تدب فيها الحياة, وتتحول من ورق إلى أيام .
كلمات فقط, أجتاز بها الصمت إلى الكلام, والذاكرة إلى النسيان, ولكن ..
تركت السكر جانبا, وارتشفت قهوتي مره كما عودني حبك .
فكرت في غرابه هذا الطعم العذب للقهوة المرّة . ولحظتها فقط, شعرت أنني قادر على الكتابة عنك فأشعلت سيجارة عصبيّة, ورحت أطارد دخان الكلمات التي أحرقتني منذ سنوات, دون أن أطفئ حرائقها مرة فوق صفحه .
هل الورق مطفأة للذاكرة؟ "