تقي الدين Admin
عدد المساهمات : 1362 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 19/04/2009 العمر : 62 الموقع : alger
| موضوع: إنما المرء حديث بعده الإثنين أبريل 19, 2010 2:25 am | |
| إنما المرء حديث بعده
محمد أحمد الهوني
هناك أمثال عربية بليغة تنم عن عمق في الوصف ودقة في التحديد، ومن هذه الأمثال، التي أستحضرها دائما حين تحضرني صورة الوالد رحمه الله وطيّب ثراه: "إنما المرء حديث بعده"، فهذا المثل مفتاح مهم في الحديث عن تجربة الحاج أحمد الصالحين الهوني الحياتية وبالذات عن مشروعه الإعلامي المتمثل في صحيفة "العرب" ومختلف المنشورات التي تتبعها، وهو مشروع تركه الحاج صرحا كبيرا ونعمل نحن أبناءه على تدعيمه وفتح آفاق أرحب له لتماشى مع المتغيّرات الإعلامية التي يشهدها عالمنا..
الذين عرفوا الفقيد أو اشتغلوا معه أو قرأوا افتتاحياته أو استمعوا إليه في هذا المنبر الإعلامي أو ذاك تحضرهم صورة رجل يقرأ الأحداث جيّدا ويستشرف المستقبل ويقدر على التحليل والاستنتاج والمقارنة بين الأحداث ليصل إلى قراءة تأتي الأيام لتدعمها وتؤكّد أن مؤسس "العرب" ليس صحافيا عاديا أو محلل سياسيا يطارد الحدث وإنما رجل أعطاه الله موهبة الفهم المتقدّم الذي يستمد حرارته وصدقه من الإخلاص للأمة والعمل على رفع شأنها بين الأمم.
ولم يكن الحاج يكتفي بأضعف الإيمان، أي بقول كلمة الحق وكشف المؤامرات التي تُحاك في البلاطات، بل كان يضيف إلى نقده الصارخ مبادرات وأفكارا كثيرة يدعو القادة والزعماء إلى الأخذ بها والحرص على تحقيقها حتى تستفيد الأمة منها..
لم يكن، رحمه الله، يسوّق نفسه كمعارض سياسي هدفه تسجيل النقاط على هذا النظام العربي أو ذاك.. لقد كان أكبر من ذلك بكثير، فهو ينتقد الأنظمة العربية، بالمفرق والمجمل، حين تكون دون مستوى المهمة، لكنه يبادر إلى الإشادة بأي زعيم أو قائد يبادر إلى موقف قومي قوي أو يحقق نجاحا في بلاده إيمانا منه بأن نجاح أي قطر يصب في خدمة الأمة كلها..
كان قوميا عربيا، لكن لوثة الأيديولوجيا لم تتلبسه، فكل التجارب والأفكار في نظره تخضع للنقد والتقويم، يؤخذ منها ما يفيد ويُترك ما لا علاقة له بمصلحة الأمة وخاصة ما يجرها إلى الصراعات والفوضى، وهي في غنى عنها..
ويحسب لمؤسس "العرب" ورئيس تحريرها الأول أنه كان داعية للحوار والوفاق والمصالحة بين الأقطار والفصائل والمجموعات المختلفة، ولا يجد أي حرج في أن ينتقد أي جهة تعرّض بعنادها مصلحة الأمة إلى الخطر، ونذكر هنا الموقف من الفصائل الفلسطينية التي طالما اختلفت حول قضايا جزئية مقدمة المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، فكان يُذكّرها بأن التحرير هو الأصل وأن الجهد الفلسطيني يمينه ويساره يجب أن ينصب في تحقيق الهدف الأسمى وأن تؤجّل الاختلافات إلى مرحلة لاحقة..
وفي الخلاف بين الكويت والعراق وخاصة بعد الاجتياح سنة 1990، ورغم أن الحاج الهوني كان صريحا وواضحا في انحيازه للعراق بوجه استفزاز الكويت لجارها من خلال اللعب بورقة النفط، واستقوائها بالقوات الأجنبية وفتحها المنطقة أمام الاحتلال المباشر، لكنه كان يدعو إلى كلمة سواء ويدعو زعماء مصر والسعودية إلى التوسط بين البلدين الجارين للوصول إلى حل سلمي للخلاف، والموقف ذاته تكرر في الخلافات الثنائية التي حدثت بين أكثر من بلدين عربيين حول الحدود.
قرّاء الحاج الهوني كانوا وما يزالون يرون فيه صوتا قوميا قويا وعاليا في وجه الاحتلال الأجنبي سواء أكان احتلالا عسكريا مباشرا أو في قالب تآمر مفضوح أو خفي عبر بوابة المنظمات المشبوهة التي تزعم الحياد وهي تابعة للامبريالية ويد من أيديها وسوط من سياطها..
إننا نشعر بالفخر، نحن أبناء الهوني، بأن نسمع الكثير من الشخصيات التي نقابلها، سياسيين ومثقفين وكتابا وقراء، وهي تترحم عليه مكبرة قدرته على فهم الأحداث وتوقعها والربط بين أجزائها، ونحن نعاهد الله ونعاهد الفقيد، الذي هو الآن بين يديْ رب كريم، أن نسير على الدرب عاملين من أجل مصلحة الأمة فاتحين دروبا جديدة أمام مشروعه الإعلامي حتى يظل صوته وحلمه وصورته حية على الدوام. | |
|