سيد أحمد غزالي .
أصبحت الحالة الإيرانية قضية الساعة داخليا وإقليميا ودوليا. ولا نقاش في
أن ما حدث قبل 32 عاما في إيران قد ترك أثرا كبيرا على كل ما يجري في
منطقة الشرق الأوسط وفي جميع الدول العربية والإسلامية، بغض النظر عن
المخلفات السلبية على مستوى الساحة الدولية. سواء أحببنا أو كرهنا فإن ما
يجري في هذا البلد في الوقت الحالي أيضا سيؤثر علينا جميعا.
ولا أريد أن أطيل في الحديث عما جرى خلال عام مضى، حيث إن الشعب الإيراني
انتفض مرة أخرى ليقول إنه شعب حي ومتمسك بالمبادئ والطموحات التي انتفض من
أجل تحقيقها قبل أكثر من ثلاثة عقود ضد نظام فاسد. فلا جرم أن هذه
الانتفاضة الأخيرة تمحورت مند البداية حول رفض حكم الملالي الذي سرعان ما
تبين للجميع أنه أشد من نظام الشاه فسادا وقمعا وسوءا. وأعتقد أن الجميع
أدركوا هذا الواقع، سوى من له مصالح في بقاء نفس النظام. ذلك أنه ليس
التغيير قضية أشخاص داخل النظام. حيث إن الشعارات التي رفعها أبناء الشعب
الإيراني لم تبق أدنى شك بأنها تدعو إلى إزالة نظام بكامله.ولما ينادي موسوي وكروبي وزعماء الحركة المزعومة الخضراء بإلغاء المظاهرات
في ذكرى بداية الانتفاضة فإنهم ومن يمشي في ركبهم ليسوا من دعاة تغيير
النظام، بل إنهم يريدون العمل في إطار نظام ولاية الفقيه وفي إطار دستور
النظام. وليست هناك حصيلة نهائية لطروحات هؤلاء سوى بقاء هذا النظام في
السلطة وبقاء القمع والكبت داخل إيران وتصدير الإرهاب والتطرف إلى الدول
الأخرى.لكن المهم أن الشعب الإيراني لن يبقى في هذا الإطار ولم يبق، حيث قام في
هذه الأيام بمظاهرات واحتجاجات واسعة وأثبت أنه لا يأبه بهذه الدعوات. كما
أنه أثبت أن الطريق القويم هو الطريق والأسلوب الذي سارت عليه المقاومة
الإيرانية ومجاهدون خلق منذ ثلاثين عاما. هذا التطور في الداخل الإيراني.وعلى الصعيد الدولي بات من المعروف جدا للجميع بأن النظام الإيراني لن
يتراجع عن مشاريعه للحصول على السلاح النووي، وأن القرار الجديد رقم 1929
الذي صدر من مجلس الأمن في هذا المجال لا معنى له سياسيا سوى أن العالم
أخذ طريقه في التعامل مع هذا النظام بعيدا عن مناوراته وألاعيبه.مع كل ذلك إنني أعتقد أن فهم مغزى نظام ولاية الفقيه يكمن في فهم ما يجري
على الصعيد الإقليمي بشكل عام وفي العراق بشكل خاص. حيث أصبح النظام
الإيراني اللاعب الأول في اللعب بمصير شعب العراق وببلد اسمه العراق
بكيانه وتراكيبه. ولا حاجة لإثبات هذا الواقع إلا أن نستمع إلى الزعيم
العراقي الدكتور إياد علاوي حيث قال قبل أيام في حديثه مع صحيفة «الشرق
الأوسط» إن تبوأه في منصب رئيس الوزراء يعد خطا أحمر لإيران الملالي.كما أن تعنت المالكي في موقفه وتمسكه واستفراده بالسلطة ليس له سبب حقيقي
سوى استظهاره بمساندة ودعم إيران الملالي. ولا شك أنه يتوقع رد «الجميل»
من إيران لما قام به ضد مجاهدين خلق سكان مخيم أشرف العزل في نهاية شهر
يوليو (تموز) من العام الماضي. حيث هاجم ألد أعداء النظام الإيراني
المقيمين في هذا المعسكر وقتل منهم أكثر من عشرة وجرح منهم مئات. ومنذ ذلك
اليوم وحتى الآن لم يدخر أي جهد في فرض مختلف الضغوط عليهم.وآخر حلقة من هذه الضغوط والمؤامرات قيامهم بإتيان عملاء النظام الإيراني
على بوابة هذا المعسكر منذ أشهر ليقوموا بممارسة التعذيب الروحي لمجاهدين
خلق سكان المعسكر ليلا ونهارا. ومن الطريف أن النظام الإيراني وحكومة
مالكي يسميان هؤلاء العملاء بأنهم من عوائل مجاهدين خلق، لكن النظام
الإيراني يقوم داخل إيران بإصدار أحكام الإعدام بحق عوائل مجاهدين خلق
بسبب زيارتهم لأقربائهم في مدينة أشرف ويقول النظام إنهم «محاربون» لأنهم
قاموا بزيارة «أشرف».وفي مجال مخيم أشرف نحن أمام منعطف خطير، حيث إن الأميركان أعلنوا قبل
أيام بأنهم سيغادرون نهائيا في نهاية شهر يونيو (حزيران) من محيط المعسكر
وسيسلمون المواقع التي كانوا يحتلونها إلى الحكومة العراقية وإلى الجيش
العراقي. وهذا معناه أن سكان «أشرف» يمكن أن يتعرضوا مرة أخرى لما حدث في
العام الماضي أو أكثر وأعنف منه.والغريب في أمر الأميركيين أنهم قاموا بنزع أسلحة المجاهدين وبعد التحقيق
الواسع فيهم قاموا بتوقيع الاتفاقية مع كل فرد من أفراد المعسكر وتعهدوا
لحمايتهم، كما أنهم أعلنوا رسميا بأن سكان المعسكر محميون بحماية معاهدة
جنيف الرابعة. لكنهم في الوقت الحالي لا يهمهم كل ذلك ويريدون التنازل
والتراجع عن جميع هذه التعهدات من طرف واحد.في هذه الظروف لا يريد النظام الإيراني خروج المالكي من دار رئاسة الوزراء
بل يريده أن يبقى ليكون سيفا مسلطا على رقاب المجاهدين في «أشرف» وعلى
رقاب جميع القوى الديمقراطية العراقية التي تريد العراق حرا ديمقراطيا
وخاليا من سلطة الملالي وتؤيد وجود المجاهدين في العراق. ولا شك أن
المجاهدين لا ذنب لهم سوى التمسك بقيمهم النضالية الوطنية، ولا يريدون سوى
تخليص شعبهم من نير الظلم والطغيان.لذا نرى أن كثيرين من الخيرين في العالم هبوا للدفاع عن سكان «أشرف»، من
الشخصيات السياسية والبرلمانية في مختلف الدول الأوروبية والهيئات
المدافعة عن حقوق الإنسان وغيرها.وفي المجال نفسه أعلنت المقاومة الإيرانية عن اجتماع كبير في 26 من يونيو
الجاري في باريس، ليأتي عشرات الآلاف من الإيرانيين المغتربين والجاليات
الإيرانية في فرنسا والدول الأوروبية الأخرى، وكذلك آلاف من المؤيدين
والمساندين لقضية المجاهدين من شخصيات وأتباع هذه الدول.وهذا الاجتماع يعتبر الاجتماع السنوي الكبير لمجاهدين خلق. وإنني شاركت
شخصيا حتى الآن في الاجتماعات الستة التي انعقدت في باريس منذ عام 2004؛
وكل عام شاهدت أن عدد المشاركين والمؤيدين كان في ازدياد، إلا أن هذا
العام يختلف عن غيره بسبب الأحداث التي أشرت إلى نماذج منها، داخل إيران
وفي العراق وعلى المستوى الدولي أيضا.ونحن هنا في اللجنة العربية الإسلامية للدفاع عن «أشرف» نهيب بجميع الدول
والشعوب العربية والإسلامية في هذه المناسبة ونقول لهم إن الدفاع عن
مجاهدين خلق واجب إنساني وإسلامي وأخلاقي. لأنهم أثبتوا من خلال تجربتهم
النضالية خلال 45 عاما بأنهم أوفياء بقضيتهم وبشعبهم وبالقيم الأصيلة
الإسلامية والإنسانية. كما أنهم أثبتوا بأنهم لن يتراجعوا عن موقفهم بسبب
الضغوط أيا كان حجمها وشدتها. وما جرى في العام الماضي لستة وثلاثين منهم
في 72 يوما أمضوها في سجون نظام المالكي في العراق خير دليل على ذلك، حيث
إنهم أضربوا عن الطعام منذ اليوم الأول وبقوا مضربين عن الطعام خلال تلك
الأيام الطوال، وفي الأيام الأخيرة حولوا إضرابهم إلى الإضراب التام عن
الطعام والشراب معا. ومع أنهم تعرضوا لمختلف أنواع الضرب والإهانات لم
يتراجعوا قيد أنملة من مواقفهم. ومن خلال هذا الصمود قلبوا المعادلة.واعتمادا على هذا الصمود كان للنشاطات السياسية والمعركة السياسية التي
ساندتهم في العراق وفي مختلف الدول أثر كبير في إفشال خطة الملالي
والمتعاونين معهم في الحكومة العراقية، وفي نهاية المطاف في عودتهم في
الساعات الأخيرة من حياتهم، حيث كانت نسبة كبيرة منهم على مقربة من
الاستشهاد، إلى بيتهم في «أشرف».هذه التجربة تقول إننا يجب أن نتحرك هذه المرة قبل وقوع الكارثة، لأن
الظروف التي شرحتها في البداية تنذر – لا سمح الله - بحدوث كارثة أكبر عما
حدث في العام الماضي.
* رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق.. ورئيس اللجنة العربية الإسلامية للدفاع عن معسكر «أشرف»
----------سيد أحمد غزالي .