الحكمة :معناها وأنواعها، درجاتها،أركانها، وآفاتها
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد آن محمدا عبده ورسوله.
قال الله تعالى:" يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا"( البقرة :269).
وقال تعالى :" وأنزل الله عليك الكتاب الحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما "(النساء:113 ).
وقال عن المسيح عليه السّلام:" ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل"( آل عمران : 48)
· انواع الحكمة:
الحكمة في كتاب الله نوعان :
مفردة ومقترنة بالكتاب؛
فالمفردة: فسرت بالنبوة وفسرت بعلم القرآن.
قال ابن عباس رضي الله عنهما هي علم القرآن ناسخة ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله .
وقال الضحاك هي القرآن والفهم فيه وقال مجاهد هي القرآن والعلم والفقه وفي رواية أخرى عنه هي الإصابة في القول والفعل .
وأما الحكمة المقرونة بالكتاب فهي: السنة كذلك قال الشافعي وغيره من الأئمة.
وقيل هي القضاء بالوحي وتفسيرها بالسنة أعم وأشهر.
· أقوال أهل العلم في معنى قوله تعالى:" يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا"( البقرة :269).
1- الحكمة التي ذكرها الله في هذا الموضع هي القرآن والفقه به.
ذكر من قال ذلك:
أخرج ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا يؤت الحكمة قال القرآن يعني تفسيره . قال ابن عباس فإنه قد قرأه البر والفاجر .
وعن ابن جرير الطبري قال: حدثنا المثنى قال ثنا عبد الله بن صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله .
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس يؤت الحكمة قال القرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء يؤت الحكمة قال قراءة القرآن والفكرة فيه.
عن ابن جرير الطبري قال: حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله يوتي الحكمة من يشاء قال الحكمة القرآن والفقه في القرآن.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة يؤت الحكمة قال الفقه في القرآن .
عن ابن جرير الطبري قال: دثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا والحكمة الفقه في القرآن .
عن ابن جرير الطبري قال: حدثنا محمد بن عبد الله الهلالي قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا مهدي بن ميمون قال ثنا شعيب بن الحبحاب عن أبي العالية ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا قال الكتاب والفهم فيه.
قال ابن جرير الطبري: حدثنا ابن حميد قال ثنا جرير عن ليث عن مجاهد قوله يؤتي الحكمة من يشاء .. الآية قال ليست بالنبوة ولكنه القرآن والعلم والفقه. وكذا أخرجه عبد بن حميد عن مجاهد.
الطبري: حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن ابن جريج قال قال ابن عباس الفقه في القرآن.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك يؤتي الحكمة قال: القرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال: إن القرآن جزء من اثنين وسبعين جزءا من النبوة وهو الحكمة التي قال الله ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا .
2- معنى الحكمة الإصابة في القول والفعل.
ذكر من قال ذلك:
الطبري قال: حدثنا ابن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح قال سمعت مجاهدا قال: ومن يؤت الحكمة قال الإصابة . وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد يؤتي الحكمة قال الإصابة في القول .
ابن جرير قال: حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل يؤتي الحكمة من يشاء قال يؤتي الإصابة من يشاء.وأخرجه عبد بن حميد عن مجاهد كذلك.
3-هو العلم بالدين.
ذكر من قال ذلك:
ابن جرير: حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد يؤتي الحكمة من يشاء العقل في الدين وقرأ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا .
ابن جرير: حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد الحكمة العقل .
4- الحكمة الفهم .
ذكر من قال ذلك:
الطبري: حدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي قال ثنا سفيان عن أبي حمزة عن إبراهيم قال الحكمة هي الفهم .
وقال آخرون:
5- هي الخشية.
ذكر من قال ذلك:
الطبري:حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة ... الآية قال الحكمة الخشية لأن رأس كل شيء خشية الله وقرأ إنما يخشى الله من عباده العلماء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية يؤت الحكمة قال الخشية لأن خشية الله رأس كل حكمة وقرأ إنما يخشى الله من عباده العلماء فاطر الآية 28 .
وأخرج أحمد في الزهد عن خالد بن ثابت الربعي قال وجدت فاتحة زبور داود إن رأس الحكمة خشية الرب.
وقال آخرون:
6-هي النّّّبّوة.
وأحسن ما قيل في الحكمة قول مجاهد ومالك إنها معرفة الحق والعمل به والإصابة في القول والعمل . وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن والفقه في شرائع الإسلام وحقائق الإيمان.
v و الحكمة حكمتان علميّة وعمليّة:
فالعلمية: الاطلاع على بواطن الأشياء ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها خلقا وأمرا قدرا
وشرعا .
و العملية :هي وضع الشيء في موضعه.
| وللحكمة درجات ثلاث:
الدرجة الأولى
أن تعطي كل شيء حقه ولا تعديه حده ولا تعجله عن وقته ولا تؤخره عنه . فالحكمة فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي .
الدرجة الثانية
أن تشهد نظر الله في وعده وتعرف عدله في حكمه وتلحظ بره في منعه أي تعرف الحكمة في الوعد والوعيد وتشهد حكمه في قوله :" إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراعظيما"( النساء : 40 ).
الدرجة الثالثة
أن تبلغ في استدلالك البصيرة وفي إرشادك الحقيقة وفي إشارتك الغاية أي أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم وهي البصيرة التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة وهي أعلى درجات العلماء قال تعالى :" قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني..الآية " (يوسف:108 ).
v أركان الحكمة وموجباتها :
1- التّجرّد والإخلاص والتّقوى:
قال تعالى:".. واتّقوا الله ويعلّمكم الله"الآية (البقرة:282).
2- التّوفيق والإلهام ورجاحة العقل :
قال تعالى:" يؤتي الحكمة من يشاء..الآية"(البقرة:269).
وقال تعالى:" ففهّمناها سليمان وكلاّ آتينا حكماً وعلماً..الآية"(الأنبياء:79).
3-المجاهدة:
قال تعالى:"والّذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا، وإنّ الله لمع المحسنين"(العنكبوت:69).
4- العلم الشّرعي:
قال تعالى:"... إنّما يخشى الله من عباده العلماء..الآية"(فاطر:28).
5-التّجربة والخبرة:
قال تعالى:".. حتّى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك الّتي أنعمت عليّ..الآية"(الأحقاف:15).
6-و فقه السّنن الكونيّة وتدبّرها:
قال تعالى":أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ، فإنّها لاتعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب الّتي في الصّدور"(الحجّ:46).
7-الرّفق ولين الجانب:
8-والحلم والأناة :
قال تعالى:".. ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر..الآية"(آل عمران:159).
وأخرج ابن المنذر عن عروة بن الزبير قال كان يقال الرفق رأس الحكمة .
9-الإستشارة:
قال تعالى:" .. وشاورهم في الأمر...الآية "(آل عمران:159).
10- العدل :
قال تعالى:" ياأيّها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ، ولايجرمنّكم شنئان قوم على ألاّتعدلوا،اعدلوا هو أقرب للتّقوى...الآية"(المائدة:8).
11- التثبّت:
قال تعالى:"ياأيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"(الحجرات:6).
12-الصّبر واليقين:
قال تعالى:" وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا،وكانوا بآيتنا يوقنون"(السّجدة:24).
13- الدّعاء والاستخارة والاستجابة لأمر الله والإيمان به:
قال تعالى:" وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب، أجيب دعوة الدّاعِ إذا دعانِِ ِ ، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"(البقرة:186).