معنى المثل :
قال ابن السكيت ( المتوفّى عام 244 هـ ) : المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له ، ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ ، شبّهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره. (1)
وبما انّ وجه الشبه والمناسبة التي صارت سبباً لاِلقاء هذه الحكمة غير مختصة بمورد دون مورد ، وإن وردت في مورد خاص يكون المثل آية وعلامة أو علماً للمناسبة الجامعة بين مصاديق مختلفة.
يقول المبرّد : فحقيقة المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الاَوّل ، كقول كعب بن زهير :
كانت مواعيد عرقوب لها مَثَلا ًوما مواعيدها إلاّ الاَباطيل
فمواعيد عرقوب علم لكل ما لا يصح من المواعيد (2)
وعلى ذلك فالمثل السائر كقوله : "في الصيف ضيعتِ اللبن" علم لكل من ضيَّع الفرصة وأهدرها ، كما أن قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : "لا ينتطح فيها عنزان" علم لكلّ أمر ليس له شأن يعتد به. (3)
كما أنّ قول أبى الشهداء الحسين بن على ( عليهما السلام ) : « لو ترك القطا ليلاً لنام » الذي تمثل به الاِمام ( عليه السلام ) في جواب أُخته زينب ( عليها السلام ) ، علم لكل من لا يُترك بحال أو من حُمل على مكروه من غير إرادة ، إلى غير ذلك من الاَمثال الدارجة.
الثالث : فوائد الاَمثال السائرة
ذكر غير واحد من الا َُدباء فوائد جمة للمثل السائر :
1. قال ابن المقفّع ( المتوفّى عام 143 هـ ) : إذاجع ـ ل الكلام مثلاً كان أوضح للمنطق ، وآنق للسمع ، وأوسع لشعوب الحديث.
2. وقال إبراهيم النظّام ( المتوفّى عام 231 هـ ) : يجتم ـ ع في المثل أربع ـ ة لا تجتمع في غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة.
وقال غيرهما : سُمِّيت الحِكَم القائم صدقها في العقول أمثالاً ، لانتصاب صورها في العقول مشتقة من المثول الذي هو الانتصاب. (1)
وقد نقل ابن قيم الجوزية ( المتوفّى عام 751 هـ ) كلام النظّام بشكل كامل ، وقال :
وقد ضرب الله ورسوله الاَمثال للناس لتقريب المراد وتفهيم المعنى وإيصاله إلى ذهن السامع ، وإحضاره في نفسه بصورة المثال الذي مثّل به فقد يكون أقرب إلى تعقّله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره ، فإن النفس تأنس بالنظائر والاَشباه وتنفر من الغربة والوحدةوعدم النظير.
ففي الاَمثال من تأنّس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق أمر لا يجحده أحد ولا ينكره ، وكلّما ظهرت الاَمثال ازداد المعنى ظهوراً ووضوحاً ، فالاَمثال شواهد المعنى المراد ، وهي خاصية العقل ولبّه وثمرته.
الكتب الموَلّفة في الاَمثال العربية
وقد أُلّفت في الاَمثال العربية قديمها وحديثها كتباً كثيرة ، وأجمع كتاب في هذا المضمار هو ما ألّفه أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الميداني ( المتوفّى عام 518 هـ ) وأسماه بـ « مجمع الاَمثال » لاِحتوائه على عظيم ما ورد منها وهي ستة آلاف ونيف .