عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
{ الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملأن - أو : تملأ - ما بين السماء
والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ؛
كل الناس يغدو ، فبائع نفسه فمعتقها ، أو موبقها } .
[رواه مسلم:223].
عن أبي مالك - الحارث بن عاصم - الأشعري قال : قال رسول الله : { الطهور شطر الإيمان } بضم الطاء يعني الطهارة .
شطر الإيمان أي نصفه وذلك أن الإيمان تخلي وتحلي ، أما التخلي فهو التخلي عن الإشراك ،
لأن الشرك بالله نجاسة كما قال الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ
فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } [التوبة:28] .
فلهذا كان الطهور شطر الإيمان ، وقيل : إن معناه أن الطهور للصلاة شطر الإيمان ،
لأن الصلاة إيمان ولا تتم إلا بطهور ... لكن المعنى الأول أحسن وأعم .
وقال: { والحمد لله تملأ الميزان } الحمد لله تعني : وصف الله تعالى بالمحامد والكمالات الذاتية والفعلية ،
{ تملأ الميزان } أي ميزان الأعمال لأنها عظيمة عند الله عزوجل ولهذا قال النبي : { كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ،
خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان ، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم } .
وقال: { سبحان الله والحمد لله } يعني الجمع بينهما { تملأ } أو قال: { تملان ما بين السماء والأرض }
وذلك لعظمهما ولاشتمالهما على تنزيه الله تعالى عن كل نقص ، وعلى إثبات الكمال لله عزوجل ،
ففي التسبيح تنزيه الله عن كل نقص ، وفي الحمد وصف الله تعالى بكل كمال ،
فلهذا كانتا تملان ما بين السماء والأرض .
ثم قال: { والصلاة نور } يعني: أن الصلاة نور في القلب وإذا استنار القلب استنار الوجه ،
وهي كذلك نور يوم القيامة قال تعالى: { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ... } [الحديد:12]. وهي أيضاً نور بالنسبة للاهتداء والعلم وغير ذلك من كلما فيه النور .
وقال: { والصدقة برهان } أي دليل على صدق صاحبها ، وأنه يحب التقرب إلى الله وذلك لأن المال
محبوب إلى النفوس ولا يصرف المحبوب إلا في محبوب أشد منه حباً وكل إنسان يبذل المحبوب
من أجل الثواب المرتجى وهو برهان على صحة إيمانه وقوة يقينه .
قال: { والصبر ضياء } الصبر أقسامه ثلاثة : صبر على طاعة الله، وصبر على معصية الله ،
وصبر على أقدار الله .
وقال: { ضياء } نوراً مع حرارة كما قال تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً } [يونس:5] .
والشمس فيها النور والحرارة ، والصبر كذلك لأنه شاق على النفس فهو يعاني
كما يعاني الإنسان من الحرارة ومن الحار .
وقال أيضاً : { والقرآن حجة لك أو عليك } والقرآن حجة لك ، أي عند الله عزوجل أو حجة عليك ...
فإن عملت به كان حجة لك ، وإن أعرضت عنه كان حجة عليك ، ثم بين النبي أن كل الناس يغدون ،
أي يذهبون الصباح إلى أعمالهم .
وقال : { فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها } كل الناس يغدون ويكدحون ويتعبون أنفسهم ،
فمنهم من يعتق نفسه ومنهم من يوبقها أي يهلكها بحسب عمله ، فإن عمل بطاعة الله
واستقام على شريعته فقد اعتق نفسه ، أي : حررها من رق الشيطان .
ففي الحديث فوائد :
1 - الحث على الطهور وبيان منزلته من الدين ، وأنه شطر الإيمان .
2 - الحث على حمد الله وتسبيحه ، وأن ذلك يملأ الميزان ، وأن الجمع بين التسبيح
والحمد يملأ ما بين السماء والأرض .
3 - الحث على الصلاة ، وأنها نور يتفرع على هذه الفائدة أنها تفتح للإنسان باب العلم والفقه .
4 - الحث على الصدقة ، وبيان أنها برهان ، ودليل عل صدق إيمان صاحبها .
5 - الحث على الصبر وأنه ضياء وأنه يحصل منه مشقة على الإنسان كما تحصل المشقة بالحرارة .
6 - أن القرآن حجة للإنسان أوعليه ، وليس هناك واسطة بحيث لا يكون حجة للإنسان أو حجة عليه ،
بل إما كذا وإما كذا ، فنسأل الله أن يجعله حجة لنا نافعاً لنا .
و من فوائد الحديث : أن كل الناس لا بد أن يعملوا لقوله : { كل الناس يغدو } وثبت عن النبي
أنه قال : { أصدق الأسماء حارث وهمام } لأن كل إنسان حارث وهمام .
و من فوائد الحديث : أن العامل إما أن يعتق نفسه وإما أن يوبقها ، فإن عمل بطاعة الله واجتنب معصيته
فقد أعتق نفسه وحررها من رق الشيطان وإن كان الأمر بالعكس فقد أوبقها ، أي أهلكها .
و من فوائد الحديث : أن الحرية حقيقة هي : القيام بطاعة الله وليست إطلاق الإنسان نفسه
ليعمل كل شيء أراده ، قال ابن القيم رحمه الله في النونية :
هربوا من الرق الذي خلقوا له *** وبلوا برق النفس والشيطان
فكل إنسان يفر من عبادة الله ، فإنه سيبقى في رق الشيطان ويكون عابدا للشيطان .