صفة الحج والعمرة.
محمد بن صالح العثيمين.
ملخص الخطبة
بين يدي التوجه لأداء مناسك الحج- التحذير من الغلو والتقصير والتفريط ، ووجوب المحافظة على الطهارة والصلاة وسائر الواجبات- بعض أحكام صلاة المسافر وطهارته- وجوب التحلي بالأخلاق الفاضلة ، وفضل ذلك- آداب الإحرام وأحكامه ، وصفة الطواف والسعي- أعمال الحج في يوم التروية وعرفة وسائر الأيام، والسنة في ذلك، وما يفعله الحاج عند عودته.
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس: إنكم تستقبلون في هذه الأيام السفر إلى بيت الله الحرام راجين من الله تكفير ذنوبكم والآثام والفوز بدار السلام والخلف العاجل عما أنفقتموه في هذا السبيل من الأموال.
فيا أيها المسلمون إنكم تتوجهون إلى بيت ربكم وحرماته إلى أمكنة فاضلة تؤدون فيها عبادة من أفضل العبادات لستم تريدون بذلك نزهة ولا فخرا ولا رياء، بل تريدون عبادة تتقربون بها إلى الله وتخضعون فيها لعظمة ربكم، فأدوها أيها المسلمون كما أمرتم من غير غلو ولا تقصير ولا إهمال ولا تفريط.
وقوموا فيها بما أوجب الله عليكم من الطهارة والصلاة وغيرها من شرائع الدين إذا خرجتم مسافرين إليها فاستحضروا أنكم خارجون لعبادة من أجل الطاعات وفي سفركم التزموا القيام بالواجبات من الطهارة والجماعة للصلاة، فإن كثيرا من الناس يفرطون في الطهارة فيتيممون مع إمكان الحصول على الماء.
وإن من وجد الماء فلا يجوز له أن يتيمم، وبعض الناس يتهاون بالصلاة مع الجماعة فتجده يتشاغل عنها بأشياء يدركها بعد الصلاة، وإذا صليتم فصلوا قصرا تجعلون الصلاة الرباعية ركعتين من خروجكم من بلدكم حتى ترجعوا إليه إلا أن تصلوا خلف إمام يتم فأتموها أربعا تبعا للإمام سواء أدركتم الصلاة أو فاتكم شيء منها.
وأما الجمع فإن السنة للمسافر ألا يجمع إلا إذا جد به السير، وأما النازل في مكان فالسنة ألا يجمع.
وأما الرواتب التابعة للمكتوبات فالأولى تركها إلا سنة الفجر، وأما الوتر وبقية النوافل فإنهما يفعلان في الحضر والسفر.
وتحلوُّا بالأخلاق الفاضلة من السخاء والكرم وطلاقة الوجه والصبر على الآلام والتحمل من الناس، فإن الأمر لا يدوم، وللصبر عاقبة محمودة وحلاوة لذيذة.
وإذا وصلتم الميقات فاغتسلوا وتطيبوا في أبدانكم في الرأس واللحية ثم أحرموا بالعمرة متمتعين وسيروا إلى مكة ملبين فإذا بلغتم البيت الحرام فطوفوا سبعة أشواط طواف العمرة، واعلموا أن جميع المسجد مكان للطواف القريب من الكعبة والبعيد، لكن القرب منها أفضل إذا لم تتأذ بالزحام، فإذا كان زحام فابعد عنه، والأمر واسع ولله الحمد.
فإذا فرغتم من الطواف فصلوا ركعتين خلف مقام إبراهيم إما قريبا منها إن تيسر وإلا فصلوا بعيداً.
المهم أن يكون المقام بينك ويبن الكعبة ثم أخرجوا لسعي العمرة وابدؤوا بالصفا فإذا أكملتم الأشواط فقصروا من رؤوسكم من جميع الرأس، ولا يجزئ التقصير من جانب واحد لا تغتروا بفعل الكثير من الناس.
فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة فاغتسلوا وتطيبوا واحرموا بالحج من مكان نزولكم واخرجوا إلى منى وصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر قصرا من غير جمع لأن نبيكم كان يقصر بمنى وفي مكة ولا يجمع.
فإذا طلعت الشمس يوم عرفة فسيروا ملبين خاشعين لله إلى عرفة واجمعوا فهيا بين الظهر والعصر جمع تقديم على ركعتين ثم تفرغوا للدعاء والابتهال إلى الله واحرصوا أن تكونوا على طهارة واستقبلوا القبلة ولو كان الجبل خلفكم لأن المشروع استقبال القبلة وانتبهوا جيدا لحدود عرفة وعلاماتها، فإن كثيرا من الحجاج يقفون دونها.
ومن لم يقف بعرفة فلا حج له لقول النبي : ((الحج عرفة)) وكل عرفة موقف شرقيها وغربيها وجنوبيها وشماليها إلا بطن الوادي وادي عرنة لقول النبي : ((وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف)) فإذا غربت الشمس وتحققتم غروبها فادفعوا إلى مزدلفة ملبين خاشعين والزموا السكينة ما أمكنكم كما أمركم بذلك نبيكم فلقد دفع من عرفة وقد شنق لناقته الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله وهو يقول بيده الكريمة: ((أيها الناس: السكينة السكينة)).
فإذا وصلتم مزدلفة فصلوا بها المغرب والعشاء ثم بيتوا بها إلى الفجر ولم يرخص النبي لأحد في الدفع من مزدلفة قبل الفجر إلا الضعفة، رخص لهم أن يدفعوا في آخر الليل فإذا صليتم فاتجهوا إلى القبلة وكبروا الله واحمدوه وادعوه حتى تسفروا جدا ثم سيروا قبل طلوع الشمس إلى منى ثم القطوا سبع حصيات واذهبوا إلى جمرة العقبة وهي الأخيرة التي تلي مكة وارموها بعد طلوع الشمس بسبع تكبرون الله مع كل حصاة خاضعين له معظمين.
واعلموا أن المقصود من الرمي تعظيم الله وإقامة ذكره ويجب أن تقع الحصاة في الحوض وليس بشرط أن يضرب العمود.
فإذا فرغتم من رمي الجمرة فاذبحوا الهدي ولا يجزئ في الهدي إلا ما يجزئ في الأضحية، ولا بأس أن توكل شخصا يذبح لك ثم احلقوا بعد الذبح رؤوسكم ويجب حلق جميع الرأس ولا يجوز حلق بعضه دون بعض، والمرأة تقتصر من أطراف رأسها بقدر أنملة.
وبعد ذلك حللتم التحلل الأول فالبسوا وقصوا أظفاركم وتطيبوا ولا تأتوا النساء ثم انزلوا قبل صلاة الظهر إلى مكة، وطوفوا للحج واسعوا ثم ارجعوا إلى منى.
وبالطواف والسعي مع الرمي والحلق حللتم التحلل الثاني وجاز لكم كل شيء حتى النساء. أيها الناس: إن الحاج يفعل يوم العيد أربعة أنساك: رمي الجمرة ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف والسعي.
وهذا هو الترتيب الأكمل ولكن لو قدمتم بعضها على بعض فحلقتم قبل الذبح مثلا فلا حرج، ولو أخرتم الطواف والسعي حتى تنزلوا من منى فلا حرج، ولو أخرتم الذبح وذبحتم في مكة في اليوم الثالث عشر فلا حرج، لا سيما مع الحاجة والمصلحة.
وبيتوا ليلة الحادي عشر بمنى، فإذا زالت الشمس فارموا الجمرات الثلاث مبتدئين بالأولى ثم الوسطى ثم العقبة كل واحدة بسبع حصيات تكبرون مع كل حصاة ووقت الرمي في يوم العيد للقادر من طلوع الشمس وللضعيف من آخر الليل وآخره إلى غروب الشمس، ووقته فيما بعد العيد من الزوال إلى غروب الشمس ولا يجوز قبل الزوال ويجوز الرمي في الليل إذا كان الزحام شديدا في النهار.
ومن كان لا يستطيع الرمي بنفسه لصغر أو كبر أو مرض فله أن يوكل من يرمي عنه ولا بأس أن يرمي الوكيل عن نفسه وعمن وكله في مقام واحد لكن يبدأ بالرمي لنفسه فإذا رميتم اليوم الثاني عشر فقد انتهى الحج، وأنتم بالخيار إن شئتم تعجلتم ونزلتم وإن شئتم فبيتوا ليلة الثالث عشر.
وارموا الجمار الثلاث بعد الزوال وهذا أفضل لأنه فعل النبي فإذا أردتم الخروج من مكة فطوفوا للوداع.
والحائض والنفساء لا وداع عليهما ولا يشرع لهما المجيء إلى باب المسجد والوقوف عنده. أيها المسلمون: هذه صفة الحج فاتقوا الله فيه ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق [سورة الحج:27-29].